وربما لن تفهم شيئا من إجابة «ألبرتو» عمن هم «الأغيار» شيئا محددا لكنك بالتأكيد تحس بأن خوفا حقيقيا وغريزيا يتملك روحه، غير أن لحظات من التوهج والبهجة سوف تلمسها فى «ألبرتو» تأتى متقطعة ولأسباب لن تفهمها وإن كنت سوف تحسها حتى وإن كنت لا تفهمها، حدث ذلك فى اللحظة التى اختفت فيها ابتسامته الباهتة من فوق شفتيه واكتست عيناه بلمعان عكس لون موج البحر الذى كان يعكس لون السماء منذ لحظات، فى نفس اللحظة كان يشير فيها بإصبعه وهو يصرخ: «تورى دى بيليم»، كان البرج يعلو المبنى الأبيض بطول ستة أدوار تقريبا يعكس ضوء الشمس على شكل هالة بلون الضوء كتلك الهالة التى تحيط برأس يسوع المسيح فى الصور والأيقونات المعلقة فى كنيسة «سانت نقولا» فى شارع «طيبة» الذى يتوسط «جنة الأرتيستات» فى حى «كامبشيزار» فى الإسكندرية. كانت «أرياس» تقترب فى حذر من رصيف الشحن فى ميناء «ليشبونة» يقودها قارب صغير، إلى أن رست تماما على الرصيف، ولما كنت لم أر أرضا منذ تركنا أرضية بار «هانيبال» الحجرية فى ميناء «بنزرت» فقد أحسست بمودة كبيرة لأرضية رصيف الشحن فى ميناء «ليشبونة».
بعد أن غادرنا «أرياس» كان «ألبرتو» يتأبط ذراعى وهو يعبر بى بوابة الجمرك وبعد أن فحص ضابط الجوازات البرتغالى جواز سفرى وتحدث قليلا مع «ألبرتو» الذى قال لى إن حضرة الضابط يسألك عن قبر «الإسكندر الأكبر»، فابتسمت وأنا لا أعرف كيف أجيبه، ولكنى فى هذه اللحظات كنت أفكر فى «ستيليوس» ذلك الجارسون اليونانى فى محل حلوانى «ديليس» الذى كان يتحدث عنه الجميع بأنه أضاع كل ما يملك للبحث عن قبر الإسكندر فى شارع النبى دانيال بالإسكندرية، كان «ستيليوس» اليونانى يزعم أنه عثر على مخطوطات تحدد وجود قبر الإسكندر، ودائما كانت تتكرر إشاعة بأن شابا كأن يمشى مع خطيبته بالشارع، وعند التقاء شارع النبى دانيال بشارع فؤاد - الذى أصبح اسمه طريق الحرية - غارت الأرض وسقطت خطيبته فيها وضاعت، وكانت فرق الإنقاذ وهى تحفر الأرض بحثا عن الفتاة التى ابتلعتها الأرض، كان الناس يخرجون جماعات يحيطون بعمال الإنقاذ فى انتظار العثور على الفتاة وأعلن عمال الإنقاذ أن الأرض تحت الشارع مليئة بالآثار والغرف والطرق السحرية، ولم يستطيعوا العثور على «ميرفت»، هكذا كان اسم الفتاة، وتكررت هذه الإشاعة مرات وفى كل مرة لم يكن يتغير اسم الفتاة خطيبة الشاب.
أخرجتنى صرخة «ألبرتو» من تفكيرى فى «ستيليوس» و»ميرفت» التى غرقت، وفهمت من كلام «ألبرتو» أنه مبتهج لأن هذا اليوم السبت الموافق اليوم السادس من شهر أغسطس سنة 1966 هو يوم تاريخى من أيام البرتغال، لكنى كنت مخطئا عندما تصورت أن هذا اليوم التاريخى من أيام البرتغال ليس سوى يوم الاحتفال بفوز فريق كرة القدم بالمركز الثالث فى بطولة كأس العالم وحصول الكابتن «يوزيبيو» على لقب «هداف كأس العالم»، واكتشفت خطأ تصورى عندما خرجنا من باب جمرك ميناء لشبونة إلى الشارع ودخلنا فى شارع «مارجينال برايا دى مو» كما كانت تشير لافتة زرقاء باسم الشارع على ما فهمت منها، كانت هناك موجات من البشر تسير كلها فى اتجاه واحد، كان المنظر شديد الغرابة والبهجة عندما كان «ألبرتو» يتأبط ذراعى وهو يسير وسط هذه التموجات البشرية المذهلة المبتهجة، لكنه ترك ذراعى وهو يسير وسط مجموعة وأخذ يلوح فى مرح وتقافز لذلك الشاب الذى بدا طويلا وربما بطول أربعة أمتار، وللمذكرات بقية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة