يوسف الحسينى

أزمة التفكير وسهولة التكفير

الثلاثاء، 27 يناير 2015 06:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما أسهل التبديل بين الحروف لتحصل على مفردتين بين كل منهما بون واسع من الاعتقاد كمثل الكلمتين الرئيسيتين فى عنوان المقال، وقد يرى القارئ المتلهف للوصول للنتيجة أو الخاتمة أن بينهما اختلافا شاسعا يبرزه ثراء اللغة المستخدمة، إلا أن الكاتب يرى أن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك، فالاختلاف لا يكون بين المتناقضات، وإنما بين ما قد يقترب ولو بعد عشرات السنوات، فمن يعتقد فى سمو التفكير لا يمكن أن يقترب من انحطاط مستسهل التكفير. يظل الجدل قائما بين عوام الناس وبعض من يرون أن لهم حقاً ومقدرة للانتماء إلى ما يطلق عليه فى غير دقة «النخبة» حول ضخ الأفكار فى العقول ضخا، دونما إعطاء الحق لأصحاب الأدمغة المراد تحويلها لمخازن فى الرفض أو القبول المتأنى، بل حتى دون إعطاء أنفسهم مهلة المراجعة والتدقيق اللازم، وفى كثير من الأحوال يصدم الطرفان بجدار متحرك من الرفض المتبادل، فلا تستطيع أن تجبر كل الناس على الفهم أو إعمال العقل، ولكنك تستطيع أن تكمل طريقك الذى اخترته بإيمان وصبر وإصرار، حينها سيفهمون.

ففى محاولات الإدراك والتفكير الواعى صنوف قد لا تتطابق وقد تكون بينها أمور متشابهات، وعلى امتداد رحلة اليقين التى تطول كثيرا، يظهر الاختلاف، أما إذا اعتقد المتلقى فى رفض الاختلاف، تنعدم قيمة الجدل الذى يثرى التفكير، هنا تنتفى عنه صفة العاقل فقد نبذ أسمى ما اُختُص به وهو العقل الديناميكى، فليس من الحقيقى أن الله قد اختص الإنسان بالعقل، كما يحب أن يروج البعض بسطحية غير لائقة، فالحيوان أيضاً لديه عقل يمكنه من الصيد والحصول على قوت يومه وتدبير احتياجاته بل وتخطى ذلك إلى أن يألف حيوانات أخرى من غير فصيلته أو مخلوقات كالبشر، إلا أن عقله محدود المقدرة، فيتوقف عند مراحل وزن الأمور الأساسية والاستجابة للتلقين، أما الإنسان العاقل فهو الذى يستغل هبة التفكير استغلالا أمثل، وليس بقدر الإمكان، فلا يحتاج الأمر سوى الهدوء والتأمل والإصرار على التدريب عليهما.

لعل مقولة «فريدريش نيتشه»: «كثيرا ما نرفض فكرة ما لمجرد أن النبرة التى قيلت بها تثير النفور» هى مفتاح جامع لحالة الرفض العام للتفكير فى معظم ما يطرح على الساحة المصرية من قِبَل أغلب الأطراف، ولا يعفى الكاتب نفسه من هذا الخطأ الفادح الذى يقع فيه مثله مثل كثير من زملائه أو قل كثيرا من أبناء الوطن، فعند الكلام كثرا ما يفقده تأثيره المبتغى، بل إن المواربة أحيانا تخيب الحالة المرجو لها أن تسود.

عند ظهور التضاد لدرجة العداء فإن الاحتراب حتى لو كان كلاميا لن يكون ذا أثر فعال ما لم يفكر كل طرف بشكل يسمو عن الآخر وفى تجديد مستمر للوسائل والأدوات، وإلا وقع كل منهما فى فخ الآخر وصار لا يختلف عنه فى شىء، دونما نتيجة واحدة تذكر إلا أنهما صارا متشابهين إلا فى الصورة فقط.
بهذا يحاول الكاتب أن يظهر أهمية التفكير الذى لا يجب أن يقف عند ثوابت أو محرمات واعتبارها مسلمات وثوابت، فلولا التفكير والثورة على ما ظنه البعض اعتقادات راسخة، ما كان التطور الإنسانى بشكل عام، ولظل «جاليليو» كافرا مهرطقا فى نظر البشرية، ولا يخضع الجدل والتفكير أمام اتهامات التكفير، وتعكير المنتج البشرى الذى يدعى دعاة الرجعية صفاءه الكامل، وستحمل المقالات القادمة محاولات لكسر تابوهات، طالما سجدت أمامها العقول الراضخة لعبودية فى ظاهرها الطوعية وقلبها الإرغام.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة