د. حيدر العبادى، رئيس الوزراء العراقى، الذى تسلم تركة ثقيلة وشائكة.. كان لا بد أن تكتمل زيارته الأخيرة إلى القاهرة بلقاء مع المثقفين والإعلاميين العراقيين للتواصل مع آرائهم وخلق اُطُر مشاركة معهم فى معاركه المقبلة.. تقليد يُبشر بعهد جديد ينأى عن إقصاء أى طرف.. مراقبة العالم للشأن العراقى قد تبدو مقتصرة على تطورات الملف الأمنى والحرب، التى يخوضها ضد التنظيمات الإرهابية.. رغم أن التاريخ القريب منذ 2003 قدم للعراقيين أمثلة متتالية على أن الدعم المؤثر للعراق فى حربه لم يكن ليتحقق لو لم يختر العراق الخروج من مجموعة الدول "المخطوفة".. وأن إمكانية تحقيق أى نجاحات فى هذه الحرب سيحدث عبر الدعم العربى وتوجه العراق بكل ثقله ليصبح جزءا من التحالفات العربية، التى تشكلت بعد 30 يونيو.
العراق الذى "اختُطِف" عشرات السنين على يد حكم فاشى أفسد غروره السياسى العلاقات مع دول الجوار.. بل معظم دول المنطقة العربية، ثم تلتها فترة حكم نورى المالكى الذى انتهج سياسة التهميش والاستبعاد لطوائف تشكل ركن هام من "لوحة الموزاييك" المكونة لنسيج الشعب العراقى.. كما "اختُطِف" القرار السياسى العراقى لصالح دولة جوار- إيران- التى احتفظت بأطماعها فى العراق عبر التاريخ، وهو ما انعكاسا سياسيا على علاقة العراق بالدول العربية.. هذا الملف يمثل للعبادى حاليا أهم التحديات على صعيد السياسة الخارجية للعراق.
عبادى بدأ فعلا القيام بخطوات إيجابية –تستدعى المزيد- نجحت فى كسر حدة التوتر وانتشال العراق من "اختطاف" القرار إلى سيادة القرار.
لبنان أيضا نموذج عربى آخر على حالة "الاختطاف" السياسى الصارخ.. رغم أن مظاهر هذا الاختطاف أخذت منذ أعوام مشاهد دموية صدمت الشارع اللبنانى، الذى لم يتلوث تاريخه بالدماء. تأثير حزب الله بقيادة حسن نصر الله، الذى بدأ تمدده فى الحياة السياسية خلال الثلاثة العقود الماضية.. وسعى إلى طرح نفسه كفصيل لبنانى، رغم أن تاريخ حزب الله وحسن نصر الله لا يذكر موقفا سياسيا واحدا انحاز فيه لصالح سيادة القرار اللبنانى، أو إلى دعم موقف للدول العربية.
لبنان الذى لا يعانى من التجريف السياسى، الذى تعانى منه بعض الدول العربية.. إذ تضم خريطته مجموعة وجوه سياسية قادرة على تحقيق قدر من التوافق لدى الشارع اللبنانى، شرط أن تعود سيادة القرار اللبنانى إلى أصحابه بعيدا عن تدخلات قديمة من سوريا وحالية من إيران، أوصلت لبنان إلى أزمة فراغ سياسى منذ ثمانية أشهر، إثر انتهاء فترة رئاسة العماد ميشال سليمان.. ليبقى لبنان حتى الآن عاجزا عن تجاوز هذا الفراغ نتيجة العراقيل التى يفرضها حزب الله وفقا لتوجيهات خارجية.
التصريح العدائى اللا مسئول الذى أثار به نصر الله مؤخرا أزمة دبلوماسية بين لبنان والبحرين، لما تضمنه من تحريض على العنف وتدخل فى الشأن البحرينى- فى تعبير صريح عن الأطماع الإيرانية فى البحرين- مما استدعى تسليم مذكرة احتجاج من دول مجلس التعاون الخليجى إلى السفير اللبنانى فى السعودية.. هو إعلان صريح عن هوية حزب الله البعيدة تمامًا عن أى انتماء عروبى أو لبنانى.
لعل الدرس القاسى الذى أدركته أخيرا الأنظمة العربية بعدما ذاقت مرارة التجارب التى عاشتها عبر الأعوام الماضية.. أن "بذور" التدخلات الغربية لن تطرح سوى حصاد "الاختطاف".. سواء من تنظيمات جهادية متحفزة، أو دول طامعة فى استعادة أدوارها التاريخية إقليميا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة