حنان شومان

وزير الثقافة يفتح الشباك ولّا يقفله؟!

الجمعة، 02 يناير 2015 01:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى مسرحية كتبها لطفى الخولى، وقدمها المسرح القومى بعنوان «القضية» التى تحولت لفيلم أيضًا أنتجته مؤسسة السينما فى الستينيات من القرن الماضى، بعنوان «القضية 68»، كانت هناك شخصية فى القصة لرجل قرر أن يفتح شباكًا فى منزله يطل منه على الشارع، فلما فتح الشباك رفع الحى عليه قضية، لأنه فتح شباكًا دون تصريح، وألزمه بغرامة، فقرر أن يغلق الشباك بدلاً من وجع الدماغ والغرامة، فإذا بالحى يرفع عليه قضية أخرى ويطالبه بالغرامة ثانيًا لأنه أغلق الشباك دون تصريح، فوقف أمام القاضى يصرخ: يا عالم يا هوه أفتح الشباك ولا أقفل الشباك، وهو مشهد ساخر شديد الدلالة على عبثية القانون والمنطق كما سطره لطفى الخولى حول مصر فى ذاك الزمان، لكن يبدو أن ذاك الزمان لا يتغير فى مصر، فنحن مازلنا فى مرحلة «أفتح الشباك ولا أقفله»، وغالبًا ما يرددها الآن فى مكتبه وزير الثقافة الدكتور جابر عصفور، وهو فى موقف لا يحسد عليه، لأن أسوأ ما يلاقيه مسؤول هو خناقة مع من يقولون عنهم مثقفين أو رجال دين تحت عنوان الحرية.

سألتنى مذيعة الـ«بى بى سى» العربية: هل أنت مع أم ضد منع فيلم «ملوك وآلهة» لريدلى سكوت عن قصة سيدنا موسى؟، فقلت لها أنا مع منع هذا الفيلم بالثلاثة، ورغم ذلك فأنا سأشاهده، لكننى لا أقبل لمصر كدولة أن تعرضه، فحتى لو كان العرض داخل مصر سيُدخل جيب المنتج 100 دولار، فأنا أرفض، لأنه فيلم يزور التاريخ، فيقول إن اليهود هم بناة الهرم، وطرحت سؤالًا: هب أن مجموعة فنانين مصريين قرروا إنتاج فيلم يكذب قصة المحرقة اليهودية، هل كانت إسرائيل وأمريكا ستسكت أم كانت ستقاضى وتطارد صناع الفيلم حتى القبر؟

ودعنا نبدأ من أول الحكاية، فمنذ شهور كان سيُعرض فيلم «نوح»، وكانت الرقابة على المصنفات التابعة لوزير الثقافة قد أجازته، لكن وقف الأزهر بالمرصاد للفيلم، رافعًا شعار «إلا تصوير الأنبياء»، وبعد أن وصلت نسخ الفيلم بالفعل لمصر، بناء على تصريح الرقابة، تاهت المسألة، ولم يخرج تصريح محدد يقول للعامة هل المنع جاء من وزارة الثقافة، أم من الأزهر مباشرة، أم أن الموزع آثر السلامة.

وهنا نجد مثقفين يصرخون: أين الحرية فى عصر السماوات المفتوحة، هذا لم يعد عصر منع أو منح، فالمشاهد والمواطن هو السيد، وله القرار فيما يراه أو لا يراه؟، وفى المقابل نجد أصوات رجال الدين ترتفع بالويل والثبور لكل من تسول له نفسه أن يرضى بعرض صورة أحد الصحابة، فكيف بالأنبياء؟!، فهو- كما يقولون- حرام حرام. ومن الواضح أن الوزير قرر فى الحالة الأولى أن يقفل الشباك دون إعلان، ثم جاءت الحادثة الثانية فى تصريحات الوزير حين قرر أن يفتح الشباك، حيث صرح بأن بعض رجال الأزهر والمؤسسة الدينية يقفون ضد الإبداع، وأن منع مسرحية «الحسين ثائرًا» عمل غير مقبول، وهنا صفق من قالوا إنهم مثقفون، وانسحب غضبًا رجال الدين.

ثم كانت الحادثة الأخيرة الخاصة بفيلم «ملوك وآلهة» عن قصة سيدنا موسى، والذى رفضته الرقابة بعد أن شاهده الوزير شخصيًا فى إحدى دور العرض، وهنا اعتبر البعض أن الوزير قرر أن يقفل الشباك بعد أن كان قد فتح الشباب، وراحوا يهاجمونه لأنه أغلق الشباك، ويقول ما لا يفعل.

ولست فى معرض الدفاع عن وزير أو كاتب كبير مثل جابر عصفور، فهو أحق بأن يدافع عن نفسه، أو يصمت، أو يقف صارخًا: أفتح الشباك أم أغلق الشباك؟، لكننى هنا أرصد حالة الصارخين من الطرفين بتوع أقفل الشباك كاملاً أو أفتح الشباك كاملاً.

فلمن يصرخون طالبين بفتح الشباك لهم بعض حق فى أن الرقابة صارت مكتوفة اليدين فى زمن الإنترنت والسماء المفتوحة، لكن هذا لا يعنى أن أبارك وأقبل تحت عنوان فتح الشباك كل ما يأتينى، وألا أكون قامعة ومتخلفة، فليس كل ما يأتى من الشباك هواء نقيًا.

والأمر نفسه من الازدواجية وضيق الأفق يسرى على رجال الدين الذين يطالبون بإغلاق الشباك، وكأن كل ما يأتى من الشباك ميكروبات قاتلة .

فى بعض الأحيان علينا المنادين بالحرية أن «نوارب» الشباك حسب الظروف، وعلى رجال الدين كذلك، فما أحوج الإسلام اليوم لأعمال فنية تحاول أن تزيل آثار عدوان المسلمين على دينهم، أما وزير الثقافة فعليه وحده أن يقرر متى وكيف يغلق الشباك، لكن عليه أيضًا أن يحتمل وحده آثار الغلق أو الفتح.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة