وسط جدل الآراء بين الإشادة أو النقد.. تمضى السياسة المصرية بنشاط فى إدارة الملفات الدبلوماسية لعلاقات مصر مع دول العالم.. هنا تظهر أهمية دولة مثل إيران- بحكم الموقع الجغرافى والبعد التاريخى- التى تُمثلها للمنطقة العربية. عبر التاريخ اتسمت السياسة الإيرانية بالبراجماتية والاعتماد على فكرة "البيات الشتوى".. تبقى كامنة فى انتظار التوقيت الأنسب وفق مصالحها للقيام علنا بردود أفعالها.. سواء فى الحروب أو المصالحات أو حتى فرض السيطرة.. إيران حاليا فى إطار إعادة ترتيب البيت الشيعى وفق المتغيرات الأخيرة التى طرأت على المنطقة العربية، تضع عينها على مستقبل علاقاتها مع مصر بعد أن قربت لحظة الخروج من "شرنقة البيات الشتوى" لإعادة طرح هذا الملف.
ساد الفتور العلاقات بين البلدين منذ استضافة شاه إيران فى مصر، ثم دعمها للعراق فى حربه مع إيران، بالإضافة إلى أن تراجع دور مصر الإقليمى عبر سنين من الترهل السياسى ساعد على تمدد النفوذ الإيرانى عربيا.. سواء فى سوريا، لبنان (حزب الله)، وأخيرا بعد 2003 فى العراق.. كلها ملفات معقدة يجب فتحها فى حال رغبة البلدين إجراء مصالحة جذرية.
على رأس المستجدات السياسية، بداية تشكيل تحالفات عربية منذ عام، قادها محور مصر - السعودية - دول الاتحاد الخليجى.. مما يفرض على ملف المصالحة تفادى أى نقاط تتقاطع مع أو تهدد هذا التحالف، بل إن مصر قد تأخذ مستقبلا دور الوسيط فى إزالة التوتر القائم بين إيران من جهة، وبين دول الخليج والسعودية من الجهة الأخرى. كما تتطلع إيران إلى فتح باب مجال الاستثمارات الإيرانية فى مصر لإعطاء جرعات منشطة لاقتصادها، سياسيا ستفرض هذه المصالحة المزيد من العزلة على تركيا التى بدأ دورها يُقلق أوروبا نتيجة حجم الانتهاكات فى مجال حقوق الإنسان. إيران أيضا تعى أن المصالحة مع مصر ستعمل على تقوية الموقف التفاوضى الإيرانى مع أمريكا فيما يخص الملف النووى.. إذ ستكون خطوة نحو كسر عزلة إيران حين تفتح آفاق علاقات جديدة مع قوة عربية مهمة مثل مصر.
العراق وسوريا ملفات تفرض نفسها بقوة على أى مائدة مفاوضات مصرية- إيرانية.. رغم وجود ملامح عريضة تجمع بين رؤيا الدولتين فى إعادة القرار إلى الشعب السورى- سواء من المعارضة أو النظام الحاكم- لتقرير مصيره واختيار نظام حكمه- بعدما أصبحت سوريا أرض اقتتال بين مختلف التنظيمات الجهادية- فى إطار صيغة سياسية تحفظ وجه ماء بشار الأسد. على الصعيد الآخر، قد لا تشعر إيران بارتياح نحو التقارب المصرى- العراقى الذى تصاعدت وتيرته بعد الإطاحة برئيس الوزراء العراقى نورى المالكى.. هذا التقارب مع حكومة حيدر العبادى جزء من إعادة العراق إلى محيطه الطبيعى كجزء اساسى من المنطقة العربية، وهو ما نشطت فيه الدبلوماسية المصرية لدعم استقلالية القرار العراقى عن النفوذ الإيرانى.. فى مقابل هذا هل تتخلى إيران ببساطة عن الصيد الثمين "العراق" الذى بسطت نفوذها عليه منذ 2003 بمباركة أمريكية.
كل هذه الملفات، بالإضافة إلى ملف نشر التشيع فى مصر والعلاقة مع الأزهر، ستكون أقل تعقيدا فى التفاوض مع قادة التيار المعتدل فى إيران، خصوصا أن الترتيبات الأمنية الجديدة التى فرضتها متغيرات المنطقة العربية تضع الطرفين المصرى- الإيرانى أمام تحدى الوصول إلى نقطة تقارب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة