لم يعد هذا الزمن قادراً على أن يلبى طموح إنسان القرن الواحد والعشرين، وهو إنسان متعب لم ير فى حياته سوى الأزمات، ويصحو على أخبار التعاسات وينام على صوت الانفجارات.. هذا الزمن الصعب كيف يمكن أن يعيد لنا عاطفة سنوات الستينيات من القرن الماضى.
كان النصف الأول من القرن الماضى يزدحم بالرومانسيات والحب النبيل حتى وصلنا إلى الستينيات، حيث أغانى عبدالحليم حافظ وأم كلثوم ومعها قصائد نزار قبانى وأحمد رامى، وكان الحب هو القاسم المشترك الأعظم للحياة فى كل أشكالها، ولهذه الأسباب انتظم ميزان التعايش فى وطن تحتويه السياسة والتجارة والاقتصاد والفن والتثقيف وغير ذلك من الحياة الاجتماعية، كان يظهر ذلك فى سلوك الشباب والأجيال بصورة واضحة لا تقبل أى التباس.. اليوم ذابت هذه المشاعر وابتلعتها بحيرات التغيير والنسيان ولم تقو الشمس على تجفيف منابع الجحود.. اليوم يتربص الناس لبعضهم البعض ويترقبون سقوطهم.. وتسللت بليل ألفاظ عجيبة تشكل قاموسا ومفردات منحطة حقيرة صارت هى كل ما يدور على أغلب ألسنة الشباب، تغير الحوار وانحدر إلى أسفل بئر، وطغت فوقه الطفيليات والقاذورات حتى أصبح بئرا عفنة وهذه هى أساليب التحرر كما يزعم كثير من شبابنا.. ذهب الحب ومظاهره والناس لا هم لهم اليوم سوى الحقد ونشر السموم والأكاذيب والشائعات وضاع النبض الحى فى شرايين جفت وصدئت وتاهت العواطف الإنسانية وتاه النبض أيضاً، حتى لقد تمزقت القيم والأعراف والتقاليد التى كانت، لم يبق إلا الخواء.. كيف يمكننا اليوم أن نستمع إلى أغانى حليم الرومانتيكية التى تحول البرود إلى نهر من الدفء والخيال النقى.. كيف يمكننا أن نقرأ قصائد الحب والارتقاء فى هذا الزمن الملىء بالألاعيب، كنت كلما بدأ الربيع يطل علينا أحس بالتفاؤل وأعرف أن الحب قد عاد قوياً باسطاً سلطته على كل الناس وعلى كل القلوب وعلى كل العقول.. ولكن وآسفاه.. تاه الربيع وتاهت الفصول الأربعة.
ولم يعد هناك فروق بين الطقوس المتتابعة.. ومن بين هذه الطقوس سقطت كلمات الحب.. التى أرجو ألا يكون سقوطها إلا غير رجعة.
إلا أننى اليوم أرى أنه لزاماً علينا كشعب يريد أن يبدأ بعد ثورتين يتحدث عنهما العالم كله.. ثورتان أرشدتا الجميع إلى أن هذا الشعب المصرى ليس مثل أى شعب، هو شعب لا يقبل القسمة على اثنين، هو شعب صلب عنيد عناد الحق والعدل، هذا الشعب لن يقبل أن تكون بداياته الصادقة وعمله الحقيقى بدون حب.. لأن الحب هو حجر الزاوية لكل ما هو ناجح وكل ما هو خالد وكل ما هو مصرى حميم، لابد أن يعى هذا الشعب أن الحب هو مفتاح نجاحه.. وهو أساس كل تقدم.. الحب هو الذى يعيد مصر مثلما كانت، مصر التى صنعت حضارة مبنية على الأيدى المتشابكة والصانعة كل ما هو للحياة وللصبح الجديد.. أقول مع بدايات انطلاق روح جديدة فى مصر من الأمل وإحساسنا أن كل مشروع نعمله اليوم هو مشروع قومى.. هذه المشروعات التى نعيشها من الشمال حيث مشروع قناة السويس، إلى الجنوب حيث مشروع إحياء توشكى، وغيرهما من الأعمال التى تحتاج إلى صفاء القلوب والأجساد والبعد عن الأحقاد والنميمة، وكل هذه المفردات التى أطاحت بأحلامنا سنوات طويلة.. أقول للمصريين: أعيدوا الحب إلى قلوبكم ونحن لا نحتاج إلى مناسبات أو أعياد للحب حتى نستعيد الحب.. لأن الحب داخلنا يحتاج فقط إلى شىء من الإنعاش.
يحتاج إلى قليل من الدفء وكثير من الندى يوقظ هذا الحب ويعيد إحياءه.. الحب لم يعد أغنية أو كلمة عابرة نعيشها وننتعش ثم نتوه وراء المادة والمال والجمود.. الحب حياة وصيرورة واستمرار ودماء تتدفق فى قلوب لا تعرف الشيخوخة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة