يبدو أن الهوان الذى تتلقاه اللغة العربية الفصيحة لن يقف عند حد، فبعد أن تم الاستخفاف بها فى وسائل الإعلام المختلفة، لم تجد الأحزاب السياسية أية غضاضة فى الإطاحة بها وتحطيمها من أجل «تعزيز» اللهجة العامية بزعم أنها الأقرب إلى الناس!
فى البداية نحن ندرك تماما أن أحزابنا المصرية - الهشة أصلا - لا تملك برنامجا ثقافيا شاملا تستهدف من خلاله تنوير المجتمع إذا قدر لها الوصول إلى السلطة السياسية عن طريق الانتخابات، فما من حزب فى مصر، قديم أو جديد، أولى قضية الثقافة اهتماما حقيقيا باستثناء حزب التجمع، ولأن اللغة هى أهم مُعبّر عن ثقافة شعب والممثل الأبرز لهويته، لأنها تحمل وتوصل الأفكار والإبداعات التى ينتجها هذا الشعب، فإن التفريط فيها يعنى تفريطا فى هوية الأمة، الأمر الذى ينزع عنها خصوصيتها ويلحقها بالأمم الأقوى.
من هنا ينبغى لنا الحفاظ على لغتنا الفصيحة وتطويرها بما يلائم احتياجات العصر وتنوعه المدهش، ولكن ما حدث طوال أربعين سنة على الأقل يؤكد أن اللغة الفصيحة تلقت طعنات غادرة جعلتها لغة مضعضعة ينفر منها الناس ويكرهها طلاب المدارس.
تابع - من فضلك - برامج التلفزيون كلها، لن ترى أى مذيع أو ضيف يستخدم الفصحى فى حديثه باستثناء مذيع نشرة الأخبار! وأنصت إلى الأغانى الشائعة، لن تسمع مطربا واحدا يجهد نفسه ويغنى قصيدة بالفصحى، «أفتح هذا القوس لأذكرك بأن أم كلثوم شدت بأكثر من 50 قصيدة وعبد الوهاب تجاوز رقم 70 فى غنائه بالشعر الفصيح، رغم أن نسبة الأمية كانت مرتفعة جدا فى زمن إطلاق هذه الأغنيات قبل أكثر من خمسين سنة، ومع ذلك فقد تلقاها الناس بفرح وفهموها واستمتعوا بها»!
الآن تعلق الأحزاب المصرية المختلفة لافتات ضخمة فى الطرق مكتوبا عليها شعارات بلهجة عامية ركيكة من نوع «حنبنى مصر/ معا اد التحدى/ كلنا ايد واحدة.. إلى آخره»، فهل هذا معقول؟ وكيف نبنى أجيالا جديدة تعرف لغتها وتحترمها إذا كان «الكبار» لا يحترمونها؟
إن مجتمعا لا يصون لغته ولا يطورها لن يتقدم أبدا!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة