نعرف أن قضية الحكم على المسلمين ظهرت أول ما ظهرت مع الخوارج، الذين قالوا لا حكم إلا لله، واتهموا من قبل التحكيم وهو على بن أبى طالب رضى الله عنه بالكفر والخروج من الملة، لأنه قبل تحكيم الرجال.
فمن حداثة أسنانهم وسفاهة أحلامهم وخفة عقولهم ظنوا أن تحكيم الرجال مناف مطلقا لتحكيم الله بحيث ينفى حكم الرجال حكم الله من كل وجه، وهو ما يقود إلى الكفر، وقد ناقشهم ابن عباس، وأفهمهم أن حكم الرجال لا ينفى حكم الله، وأن القرآن الكريم أقره لقوله تعالى: «فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها»، وقوله تعالى: «يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة»، والسفاهة تعنى الخفة فى العقل والتسرع فى الحكم، والذهاب وراء الظن، ومجانبة العدل والقسط والاستقامة.
وقد كبر فى نفس الخوارج أن يقبل على بن أبى طالب وقوف الحرب بينه وبين فصيل من الأمة وهو معاوية ومن معه، أى أنها تعبير عن مزاج نفسى يستدعى الحرب ويريدها، ويرى العنف أداة حل الاختلافات والصراعات والانقسامات داخل الأمة وبين المسلمين الذين يشهدون لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة.
وتشير الدراسات إلى أن الفكر الخوارجى كان ينتشر فى الأوساط البدوية الجافية التى قال عنها القرآن «الأعراب»، كما أن الدراسات تشير أيضا إلى أن عامل العصبية القبلية والاختلاف السياسى كان جزءا من هذه المعركة التى استخدم فيها الخوارج قصة الحاكمية كأداة فى الصراع السياسى.
اعتبر الخوارج أن العمل هو الإيمان فأخرجوا من الملة كل من ارتكب معصية ولو يسيرة تؤثر فى العمل، وهم يرون أن الإيمان جزء واحد إذا ذهب بعضه أو قليل منه ذهب كله، هنا الموقف السياسى والنفسى تحول إلى موقف إيمانى وعقدى، وهذا أول انقسام ضخم يواجه الأمة المسلمة، ومنه تأسس فقه الاختلاف بين الأمة أو القتال بين الأمة، وهو قتال البغاة أو الخوارج، وغيره مما نجده فى كتب الأحكام السلطانية والفقه.
بدأ الفعل الخوارجى نفسى وسياسى ثم تحول إلى تأصيل تأسيسى وفكرى أنتج لنا كارثة الخوارج التى لا تزال الأمة تواجهها حتى اليوم، فكرة الخروج تؤسس لتعريف جديد للإسلام يعبر عن فكر هذه الطائفة التى استقلت بنفسها عن الجماعة وعن الأمة ووضعت نفسها فى مواجهتها.
ظهرت المرجئة لترد وتقول: «لا يضر مع الإيمان معصية ولا مع الكفر طاعة»، واستبطنت موقفاً سياسياً برر للحكام، كما استبطن الخوارج موقفاً سياسياً يكفر الحاكم ويرى الخروج عليه.
مع حالة الإخوان المعاصرة التى وضعت نفسها فى مواجهة الأمة هى الأخرى، بسبب موقفها السياسى فرئيسها كان حاكم مصر وقد تم عزله، ثم اختار الناس رئيسا آخر، ومضت الأمور منذ عام، وحالة السياسة هى التى توجه الدين، بحيث صرنا إزاء التكفير بسبب المواقف السياسية، فمن يختلف مع الإخوان من بنى تنظيمهم ومن بين جلدتهم ومن داخل الحالة الإسلامية العامة والتى من المفترض أن يكون كل من داخلها مشمولا بمنطق الأخوة وحقوقها فإنهم ينتصبون على الفور ليقولوا «لا تصالح، لا تهادن، الحرب والقتال سبيلنا والموت فى سبيل أسمى أمانينا».
أجمع السلف على أنهم لا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب، ما لم يستحله، والاستحلال مؤشر على الخروج من الملة، ووضعوا موانع وشروط للكفر والخروج من الملة لأنه أعظم ما يواجه به مسلم آخر، فمن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، ومن يكفر المسلمين فقد سرح فى مجاهل الضلالة والفتنة العمياء التى ستلقيه مخلدا فى النار.
بذل فقهاء المسلمين جهدا كبيرا لضبط معايير الحكم بالكفر على المسلم، بينما لا نجد أى جهد فكرى حقيقى من الخوارج الجدد المكفرين لضبط عملية التكفير السياسى التى يقومون بها فى مواجهة مسلمين آخرين مختلفين معهم فى موقفهم السياسى، فهم يكفرون كل مختلف معهم، ويخونونه ويسبونه بأقذع الشتائم، إن روح الخوارج تسرى فى أوداج الإخوان وعروقهم مسرى الدم فى دورة الحياة، فمن يكفر بلا معايير فهو خارجى، والخارجى هو من يهدر حقوق مسلم آخر لمجرد الاختلاف معه، ويقوم بتكفيره لأسباب سياسية أو عقدية أو غيرها.
الخوارج كانوا أول انشقاق ضخم فى جسد الأمة، ومن بعدهم جاء الشيعة، ونحن اليوم نواجه انشقاقا جديدا فى جسد الأمة هو انشقاق الإخوان.
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو كريم
معلومات بمناسبة الخوارج