يوسف الحسينى

الخليفة الاشتراكى

الأحد، 07 سبتمبر 2014 06:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مما لا شك فيه أن جدلا متوقعا سيطفو على سطح شبكات التواصل الاجتماعى بين مجموعات من مدعى الأسلمة حول عنوان المقال دونما جهد يسير يبذل فى قرائته وقد يستغرب البعض وصف الكاتب للخليفة العادل عمر بن الخطاب، رضى الله عنه وأرضاه، بالخليفة الاشتراكى، إلا أن نبت الفكرة كان قد ظهر فى عقله منذ أكثر من عشرين عاما مضت حول الاشتراكية فى الإسلام والاشتراكية فى المسيحية، وظلت الفكرة تجول بالعقل دون غياب، ولكن فى غير سيطرة، حتى إن بريقا واضحا كان يومض من وقت لآخر متمثلا فى سيرة الفاروق أبوحفص عمر بن الخطاب العدوى القرشى، وهو ابن عمّ زيد بن عمرو بن نفيل الموحد على دين إبراهيم، وأخوه الصحابى زيد بن الخطاب، الذى كان قد سبق عمر إلى الإسلام، ويجتمع نسبه مع الرسول محمد فى كعب بن لؤى بن غالب.

ولعل سيرته شابا تدفع البعض لتضاد انطباعى حول تكوينه الفكرى فيما بعد إسلامه، ثم توليه الخلافة بعد أبى بكر رضى الله عنه،  فقد كان منزله وقت الجاهلية فى أصل الجبل الذى يقال له اليوم جبل عمر، وكان اسم الجبل فى الجاهلية العاقر وبه منازل بنى عدى بن كعب، مما يسهم فى تكوين طباع بها من الغلظة شيئا ليس بالقليل كما امتاز عن معظم القرشيين بتعلم القراءة وعمل راعيًا للإبل وهو صغير فى السن مسيطرا عليها ومتعلما منها، فكان يرعى لوالده ولخالات له من بنى مخزوم  وتوازيا مع حياته المهنية، إن صح القول، فقد ذهب لتعلم المصارعة وركوب الخيل والشعر، وبمرور الوقت صار يحضر أسواق العرب كعكاظ ومجنة وذى المجاز، فتعلم بها التجارة إلى جانب متابعته لمثقفى القبائل آنذاك، وكما ربح من التجارة وأصبح من الأغنياء ولما كان من أشراف قريش، واجتمع فيه العقل بالقوة مع الحزم وحسن الكلام ورجاحة العقل، فجُعل سفير لقريش، فإن وقعت حرب بين قريش وغيرهم بعثوه، وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به، وبطبيعة نشأته ووضعه فى البيئة العربية الجاهلية الوثنية على دين قومه، كغيره من أبناء قريش، كان مغرمًا بالخمر والنساء قبل إسلامه.. هنا قد يطرأ على الذهن أن تركيبة رجل بهذه المواصفات لن تنتج سوى حاكم ليس له إلا أمور الدنيا التى سيعتصرها مجونا وإن لم يفعل فلن ينظر إلا لمن يطاولونه مقاما فى الهيئة الاجتماعية أو المالية،  إلا أنه بالنظر إلى أغلب مفكرى الاشتراكية فقد كانوا من أسر، إن لم تكن من طبقات متوسطة عليا، على قسط وافر من التعليم والثقافة، فهم من طبقات أرستقراطية داخل مجتمعاتهم، ولعل الأمثلة المصرية هى الأقرب إلى القارئ مثل هنرى كورييل ويوسف درويش وشحاتة هارون ومصطفى طيبة ومحمد عودة وعلى نويجى ونبيل الهلالى وجلال رجب.. إلخ وهنا يعتقد الكاتب أن التركيبة الاجتماعية والفكرية للخليفة العادل كانت هى الباعث لمحاولاته الناجحة لبناء أول دولة اشتراكية بالمفهوم المعاصر.

وقد بدت ملامح اشتراكيته بالتجلى فى أكثر من موضع، وردت الأنباء على عمر رضى الله عنه مبشرة بفتح الشام وفتح العراق وبلاد كسرى، ورأى نفسه أمام مشكلة مالية خطيرة، فأموال الأعداء «ذهبهم وفضتهم وخيولهم وأنعامهم» وقعت غنيمة فى أيدى الغزاة المظفرين بتأييد الله تعالى، وأرضهم كذلك دخلت فى حوزتهم، وقد كانت تلك هى المشكلة تحديدا، أما المال فقد أمضى عمر فيه حكم الله تعالى، إذ أخذ خمسة، ووزعت الأخماس الأربعة على أفراد الجيش تنفيذاً لقوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ‭‬الأنفال:41.

و بقت المشكلة الرئيسية «الأرض»  فكان له فيها رأى آخر، و أن تحبس ولا توزع، وتبقى كأنها ملك للدولة فى يد أصحابها القدماء، يؤدون عنها الخراج، وما يحصّل من هذا الخراج يقسّم فى عامة المسلمين، بعد أن يحجز منه  أجور الجند المرابطين فى الثغور، والبلاد التى فتحت،  أما الكثير من الصحابة فأبى إلا أن توزع عليهم الأرض لأنها فىء أفاءه الله، وكانت وجهة نظر عمر رضى الله عنه أن البلاد المفتوحة تحتاج إلى حاميات من الجند يقيمون فيها، ولابد لهؤلاء الجند من رواتب، فإذا قسمت الأرض فكيف يدبر لهذه الحاميات أرزاقها؟ ذلك إلى أن الله تعالى لا يريد أن يكون المال دُولة أو مأكلة بين الأغنياء وحدهم، فإذا قسمت هذه الأراضى الشاسعة الواسعة فى الشام ومصر والعراق وفارس على ألوف معدودة من الصحابة تضخمت الثروات فى أيديهم، ولم يبق شىء للذين يدخلون فى الإسلام بعد ذلك، فيكون الثراء الهائل فى ناحية والحاجة المدقعة فى ناحية أخرى، وهو ما كان ضمير الخليفة الاشتراكى عمر يأباه فى حين أن  دليل الكتاب والسنة فى جانب المعارضين لرأيه، وكان الراغبون فى الثراء الحلال الذى ساقه الله إليهم يحتجون عليه بأنه فىء، وأن أرض الفىء قسّمها الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل، ولم يفعل بها ما يريد عمر أن يفعل، واشتد بلال بن رباح رضى الله عنه على الخليفة العادل، وتزعم حركة المعارضة حتى أحرجه وضايقه، وحتى بلغ من ضيقه وحرجه أن رفع يديه لله داعيا «اللهم اكفنى بلالاً وأصحابه» فكفاه رب العزة وكفاه بلالاً وأصحابه بالمنطق الدقيق وفقه الأولويات،  و هذا عمر رضى الله عنه يقول لمن حضر من أصحابه: إن سعد بن أبى وقاص كتب إليه من العراق بأن القوم معه سألوه أن يقسم بينهم مغانمهم وما أفاء الله عليهم من الأرض، فرد عليه البعض اكتب إليه فليقسمه بينهم.

فقال لهم عمر «فكيف بمن يأتى من المسلمين بعد ذلك، فيجدون الأرض قد قسمت، وورثت عن الآباء وحِيزت؟...ما هذا برأى».

واحتدم الجدال ثلاثة أيام، وكثر لغط الناس حول هذه المشكلة، وهنا قرر عمر أن يتسع فكره ويعضد قراره  عمر بالشورى ليس فقط من دائرة المهاجرين حتى تشمل أفق الأنصار، فاستدعى عشرة منهم: خمسة من الأوس وخمسة من الخزرج، وخطب فيهم بهذا القول الحكيم: «إنى لم أزعجكم إلا لأن تشتركوا فى أمانتى فيما حملت من أموركم فإنى واحد كأحدكم، وأنتم اليوم تقرون بالحق خالفنى من خالفنى ووافقنى من وافقنى، ولست أريد أن تتبعوا هذا الذى هو هواى،  معكم من الله كتاب ينطق بالحق، فوالله لئن كنت نطقت بأمر أريده ما أريد به إلا بالحق».
فرد الأنصار: قل نسمع يا أمير المؤمنين.

عمر: سمعتم كلام هؤلاء القوم الذين زعموا أنى أظلمهم حقوقهم، وإنى أعوذ بالله أن أركب ظلماً، لئن كنت ظلمتهم شيئاً هو لهم وأعطيته غيرهم لقد شقيت، ولكن رأيت أنه لم يبق شىء يفتح بعد أرض كسرى، وقد غنمنا الله أموالهم وأرضهم، فقسمت ما غنموا من أموال بين أهله، وأخرجت الخمس فوجهته على وجهه، وأنا فى توجيهه، أما الأرض فرأيت أن أحبسها وأضع على أهلها فيها الخراج، وفى رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئاً للمسلمين والمقاتلة والذرية، ولمن يأتى من بعدهم، أرأيتم هذه الثغور لابد لها من رجال يلزمونها، أرأيتم هذه المدن العظام كالشام والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر لابد لها من أن تشحن بالجيوش وإدرار العطاء عليهم؟ فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الأرض؟

فرد الجميع: الرأى رأيك فنعم ما قلت: إن لم تشحن هذه الثغور والمدن بالرجال، ويجر عليهم ما يتقوون رجع أهل الكفر إلى مدنهم.
فقال وإنى قد وجدت حجة فى كتاب الله: «مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَللهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ» الحشر:7.

ثم قال عقب ذلك: «لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» الحشر: 8.

ثم قال مخاطبا الأنصار  «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ» الحشر: 9 .

وعاد حتى خلط بهم غيرهم فقال: «وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» الحشر:10.
فكانت هذه الآية عامة لمن جاء من بعدهم فقد صار هذا الفىء بين هؤلاء جميعاً فكيف نقسمه لهؤلاء وندع من تخلف بعدهم بغير قسم؟!
الآن قد بان لى الأمر

و تنتهى مشكلة الفيئ أو الغنيمة هنا لتظهر عدالته من جهة وسدة رأيه كرجل دولة من جهة وقوة حجته من جهة أخرى، ولا تقف اشتراكية عمر عند هذا الحد بل نكمل كيف بنى الخليفة الاشتراكى دولته فى المقتل القادم. 
«رضى الله عن عمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم»








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة