لم تكن الكلمة التى ألقاها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال الاحتفال بالعيد الذهبى لهيئة الرقابة الإدارية مجرد كلمات احتفالية فى مناسبة مهمة وحسب، بل كانت بمثابة دستور جديد أراد أن تسير عليه الدولة فى تلك الحرب التى أعلنها الرئيس على الفساد والمفسدين وأصحاب المصالح، فقد قال الرئيس وبشكل واضح وصريح لا يحتمل أية تفسيرات أخرى إنه يسعى جاهدا من أجل إعادة الدولة القوية التى ستضع مصر فى حجمها ومكانتها الطبيعية التى تستحقها سواء على المستوى المحلى أو الإقليمى أو العالمى.
لقد قال الرئيس: «أنا لست صاحب مصلحة إلا فى أن تكون مصر هى الدولة الأولى عالميا فى مكافحة الفساد»، وذلك فى إشارة بالغة الأهمية للتعبير عن رغبته الصادقة فى التصدى للفساد المتغلغل فى ربوع الوطن، مؤكدا أن مكافحة الفساد لا تكون إلا بالقضاء على الفقر والمحسوبية وترسيخ العدالة.
وبالطبع فإن ذلك لم يأت من فراغ وإنما نابع من قناعة أن المرحلة التى نعيشها الآن التى تسعى فيها القيادة السياسية نحو تحقيق نهضة حقيقية فى شتى مجالات الحياة تتطلب إجراءات أكثر حزما مع الفاسدين ومع كل من تسول له نفسه العبث بمصالح الشعب وهو ما يعطى لكلام الرئيس أهمية قصوى فى هذا الشأن، حيث نجده فى أكثر من موطن قد حذر الفاسدين، وأكد أنه لن يسمح بالفساد فى مصر، وأنه يمتلك من الشجاعة والقوة ما يعينه على قطع دابر المفسدين لقناعته التامة بضرورة الوقوف إلى جوار الفقراء ومحدودى الدخل، معتبرا أن الشفافية هى الخطوة الأولى للقضاء على الفساد والحفاظ عل نظافة اليد.
إننى على ثقة تامة تصل إلى درجة اليقين فى قدرة الرئيس على محاربة الفساد والقضاء عليه، وفى هذا الصدد فإننى أرى أهمية أن تقف الأجهزة المعنية إلى جانبه وتساعده فى تحقيق ذلك الهدف النبيل، مما يتطلب إعادة النظر فى منظومة التشريعات، خاصة تلك التى تنظم عمل الأجهزة الرقابية، وفى مقدمتها: الرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات والنيابة الإدارية، فلابد من إعطائها قوة فاعلة أكثر فى رصد الجرائم ورفع الدعاوى بشأنها مباشرة، مع ضرورة تفعيل القوانين، بما يساعد الأجهزة الرقابية على القيام بعملها، من خلال سد الثغرات القانونية، وأن تكون خيوط الأجهزة الرقابية متصلة ببعضها البعض، وأن تضم اللجنة العليا لمحاربة الفساد أعضاء من الرقابة الإدارية والنيابة الإدارية، وذلك حتى يتم التنسيق فيما بينهم، فهناك عشرات المليارات تضيع من خزانة الدولة سنويا بسبب منظومة الفساد.
ولأن الرئيس لا يمتلك عصا سحرية تساعده على تحقيق أفكاره ووضعها فى حيز التنفيذ فلابد من وضع روشتة للعلاج تتكامل فيها أجهزة الدولة للقضاء على الفساد واقتلاعه من جذوره وتتمثل هذه الروشتة من وجهة نظرى فى اعتناق سياسات اقتصادية واجتماعية تحقق المساواة بين المواطنين وتمنع المحسوبية والوساطة والتمييز على أى أساس، وإطلاق يد الرقابة فى متابعة ممارسات قيادات الحكومة والقطاع العام، والتقدم ببلاغات للنائب العام دون انتظار موافقة الوزير أو الرئيس، لأن هذا القيد يغل يد الرقابة عن محاربة الفساد.
واللافت للنظر أن الاحتفال بالعيد الذهبى لهيئة الرقابة الإدارية يأتى هذا العام فى مرحلة دقيقة من عمر الوطن، تلك المرحلة تمثل انطلاقة حقيقية نحو الدولة القوية التى بدأت تتشكل ملامحها باهتمام من القيادة السياسية التى تضع نصب عينيها دائما أن مكافحة الفساد لا تكون إلا بالقضاء على الفقر والمحسوبية وترسيخ العدالة.
وهنا أتوقف أمام هيئة الرقابة الإدارية فهذا الجهاز يضطلع بالعديد من المهام التى تصب جميعها فى هدف واحد وهو التصدى للفساد والمفسدين، فهيئة الرقابة الإدارية التى أنشئت عام 1964 يقع على عاتقها عدة اختصاصات تتمثل فى بحث وتحرى أسباب القصور فى العمل والإنتاج بما فى ذلك الكشف عن عيوب النظم الإدارية والفنية والمالية التى تعرقل السير المنتظم للأجهزة العامة واقتراح وسائل تلافيها ومتابعة تنفيذ القوانين والتأكد من أن القرارات واللوائح والأنظمة السارية وافية لتحقيق الغرض منها والكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والجرائم الجنائية التى تقع من المواطنين أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم والعمل على منع وقوعها وضبط ما يقع منها ولها فى سبيل ذلك الاستعانة برجال الشرطة وغيرهم من رجال الضبطية القضائية وذوى الخبرة وبحث الشكاوى التى يقدمها المواطنون عن مخالفة القوانين أو الإهمال فى أداء واجبات الوظيفة ومقترحاتهم فيما يعن لهم أو يلمسونه بقصد تحسين الخدمات وانتظام سير العمل وسرعة إنجازه وكذلك بحث ودراسة ما تنشره الصحافة من شكاوى أو تحقيقات صحفية تتناول نواحى الإهمال أو الاستهتار أو سوء الإدارة أو الاستغلال وكذلك ما تتعرض له وسائل الإعلام المختلفة فى هذه النواحى، وتختص بمد الرئيس التنفيذى والوزراء والمحافظين بأية معلومات أو بيانات أو دراسات يطلبونها منها وبأى عمل إضافى آخر يعهد به إليها رئيس المجلس التنفيذى.. وتباشر الرقابة الإدارية اختصاصاتها فى الجهاز الحكومى وفروعه والهيئات العامة والمؤسسات العامة والشركات التابعة لها والجمعيات العامة والخاصة وأجهزة القطاع الخاص التى تباشر أعمالا عامة وكذلك جميع الجهات التى تسهم الدولة فيها بأى وجه من الوجوه.
وإحقاقا للحق فإن هيئة الرقابة استطاعت منذ 25 يناير 2011 استرداد 11 مليار جنيه إلى خزينة الدولة، واسترداد أراضٍ، وتحصيل ضرائب ورسوم وأموال تأمينات، واسترداد مال عام مختلس، ومبالغ صرفت دون وجه حق.. فقد ذكر بيان صادر عن الهيئة أشار إليه اللواء محمد عمر هيبة، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، أنه خلال الفترة ما بين 25 يناير 2011 وحتى شهر إبريل الماضى تمكنت الرقابة الإدارية من ضبط 2706 جرائم جنائية، أحيلت إلى النياية العامة، ما بين إضرار بالمال العام والاستيلاء عليه والتربح والتعدى على أملاك الدولة والرشوة واستغلال النفوذ، وتنفيذ 2054 عملا رقابيا كشف عن فساد إدارى وانحرافات ومخالفات للقوانين، بشأن 2402 موظف عام فى مجال كشف الجرائم الجنائية، وتحقيق انضباط الموظف العام.
وعلى الرغم من أهمية وخطورة الدور الذى تقوم به هيئة الرقابة الإدارية حيث تضم نخبة من الأشخاص الأكفاء إلا أنه يجب على الدولة وبشكل عاجل التأكد من عدم تسرب أية عناصر إلى هذا الجهاز خلال فترة تفكك الدولة، فكلنا نعرف أن الرقابة الإدارية فى عهد الإخوان تعرضت للاختراق مثل الكثير من أجهزة الدولة التى عانت من خطة أخونة الدولة التى كانت تتم وفق استراتيجية محددة تتمثل فى السعى نحو تفكيك الأجهزة الرقابية فى الدولة وتفريغها من قيمتها وإضعافها، فضلا عن القيود التى فرضها نظام الإخوان على أعضاء هيئة الرقابة الإدارية حالت دون ضبط وقائع الفساد المتعلقة برموز النظام السابق.
يا سادة.. إن قضية الفساد متشابكة ومعقدة وتتخذ أشكالا وأنماطا متغيرة وأحيانا تقف الوسائل التقليدية حائلا دون إيجاد مواجهة فعالة وقوية، مما يفرض آليات جادة للمواجهة بما يغلق أولا بأول منافذ الفساد والتصدى لعمليات التحايل التى ينتهجها من انعدمت ضمائرهم، ولكن قبل كل ذلك فإننا فى حاجة ماسة إلى ترسيخ ثقافة مكافحة الفساد بين جموع الشعب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة