أرسلت (ف) إلى افتح قلبك تقول:
أنا زوجة عمرى 29 سنة، تعرفت على زوجى قبل ارتباطنا بفترة قصيرة، أعجب بى وتقدم لخطبتى سريعا على مضض من أهله، لأنه من عائلة ثرية جدا ولهم أعمال وشركات، وأنا من أسرة عادية، ليست فقيرة، ولكننا لسنا أثرياء مثلهم، أنا وإخوتى جميعا خريجين مدارس لغات، ونسكن فى حى راقٍ، ونتمتع بحياة كريمة والحمد لله، لكن ليس بنفس مستوى عائلة زوجى.
أنجبت ابنى الأول بعد أقل من سنة من زواجى، مما ضايق حماتى أكثر، لأنه وبذلك أصبح ارتباطى بابنها أبدى وحتمى، على عكس ما كانت تتمنى وتخطط، ثم أنجبت ابنتى الثانية بعدها بثلاث سنوات، وكنا نعيش حياة مستقرة إلى حد كبير لا ينغصها إلا تصرفات أهل زوجى غير اللطيفة من حين لآخر.
بدأت الأمور فى التعقيد أكثر عندما قدر الله وأصيب زوجى فى حادث سيارة منذ حوالى سنتين، أصبح بعدها لا يتحرك ولا يتكلم، وبالتالى فهو لم يعد قادرا على خدمة نفسه نهائيا، وأصبحت أنا من أقوم برعايته ليل نهار، فأصبحت وكأنى مسئولة عن 3 أطفال تقريبا، حالة زوجى كانت خطيرة جدا بعد الحادث، لذلك فقد سافرنا إلى ألمانيا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكان ذلك من مبلغ التعويض الذى تم صرفه لزوجى من جهة عمله، لأن زوجى كان يعمل ضابطا قبل الحادث، أى أن أهل زوجى لم ينفقوا مليما واحدا على رحلة سفر زوجى للعلاج، وحتى عندما تبقى جزء من المبلغ بعد عودتنا قرروا الاحتفاظ به، ولم يسمحوا لى بوضعه فى حساب خاص بأولادى فى البنك.
حماتى تعطينا مبلغا محددا كل شهر، لكن على أجزاء ولا أعرف لماذا تصر على هذا ولكن المبلغ بالكاد يكفى نفقات الأولاد والعلاج، حتى عندما طلبت أن أحضر من تساعدنى فى رعاية زوجى والأطفال، ردت حماتى بأنها مستعدة لأن تفعل ولكن ستخصم راتبها من المبلغ الذى تعطيه لى كل شهر، فوافقت لأن الحمل كبير جدا على أكتافى، ولكنى وجدت نفسى لا أجد ما يكفينى أنا شخصيا لأنفق به على نفسى، فحماتى تحاسبنى على كل شىء، وتعرف كل صغيرة وكبيرة من مصروفاتى، لهذا اضطررت للعمل كمدرسة فى مدرسة خاصة ليكون لى دخل خاص بى أنفق به على نفسى، ولكنها أيضا لم ترحمنى بعدها، فوجدتها تلمح لى أنها تريد تخفيض المبلغ الشهرى بما أنى أصبحت أعمل وأصبح لى دخل.
حالة زوجى لا آمل فى تحسنها، وبالرغم من أنها مستقرة إلا أنها حتما ستسوء مع الوقت لأنه أصبح يعانى من ضمور فى جزء كبير من خلايا المخ بعد الحادث، وعليه فإن أهل زوجى يتعاملون معه على أنه ميت ميت، إن آجلا أو عاجلا، لهذا فهم يحاولون تجريده من أى ممتلكات، لدرجة أنهم أخذوا منى سيارته بحجة أن السواق موجود ويمكننى طلبه فى أى مشوار يخص الأولاد.
أنا أعمل، وأحمل عبء الأم والأب، بالإضافة إلى الضغط النفسى الرهيب الذى أحياه بسبب حالة زوجى، ولكنى كنت أحتمل لأن زوجى لا ذنب له فيما حدث، وهو إنسان طيب فى الأساس، ولا يستحق منى أن أبيعه أو أتخلى عنه، ولسبب آخر وهو وبكل صراحة أنى لن أستطيع الإنفاق على أولادى والحفاظ على مستواهم المادى إذا لم ينفق عليهم أهل زوجى، لكنهم يضيقون على الخناق بشكل لا يمكن الصبر عليه، فأنا مطالبة بتقديم تقرير شبه يومى عن تصرفاتى ومصروفاتى لحماتى، بالإضافة إلى أنها تناقشنى فى أى شىء معطية نفسها حق التدخل فى أدق خصوصياتى بما أنها تنفق على وعلى أولادى، حتى وصل بى الأمر إلى أنى أصبحت أتناول المهدئات حتى أنام، وأعانى من الصداع والأرق باستمرار.
أهلى يرون أن أهل زوجى يحاولون (تطفيشى) ويخططون للضغط والتضييق على حتى أطلب الطلاق، حتى لا يكون لى حق أن أرث ابنهم بعد وفاته، فهم يرون أنهم خسروه بالفعل، ولا يريدون خسارة أمواله أيضا بعد وفاته.. أنا الآن فى دوامة بمعنى الكلمة، فأنا لم أعد قادرة على التركيز مع أولادى وتربيتهم والعناية بهم، ولا للإحسان إلى زوجى والتخفيف عنه، ولا حتى فى عملى الذى لم يتبق لى غيره..
والدى يقول لى انفصلى والله الغنى عن فلوسهم، ويقول أنى إن استمريت على هذا الوضع سأخسر صحتى ونفسى، ولن يبقى لأولادى شيئا منى، ولكنى فى نفس الوقت خائفة من المستقبل، لأنى بذلك سأكون تخليت عن زوجى فى محنته، ولأنى سأحرم أولادى من مستوى اعتادوا عليه من مدارس وملبس ومأكل أنا لن أستطيع توفيره لهم مهما فعلت.. ما رأيك أنتِ؟.
وإليكى أقول:
أعانك الله على هذا الابتلاء الشديد، فأنت فعلا فى اختبار صعب، كثيرات غيرك كن سيرسبن فيه من أول يوم، لكنك ولله الحمد والفضل صبرتى وتحملتى مع زوجك الموقف لمدة عامين حتى الآن، أتمنى أن يكون ذلك فى ميزان حسناتك.
تسألينى هل أستمر أم لا؟، والإجابة تتوقف على نقطتين: الأولى هى لماذا تريدين الاستمرار؟، هل من أجل زوجك، والوقوف بجانبه، وعدم التخلى عن هذا الشخص الذى وصفتيه بنفسك بأنه طيب فى محنته؟، هل صبرا على البلاء ورضاء به؟، هل أصالة منك وصيانة للعشرة؟، هل وفاء وإخلاصا لزوجك وأبو أولادك؟، هل عملا لمستقبلك حيث إنه لا أحد فينا يضمن لنفسه السلامة والعافية طوال الوقت؟.. لو كان هذا هو السبب والدافع، فطبعا اصبرى واستمرى، فالله أعلم بنيتك النبيلة وهدفك السامى فى هذه الحالة، وسيدبر لك أمرك، ويصلح لك حالك، ويقويكى على حماتك وتحكماتها وتدخلاتها، بل وسيأجرك عليهم حتما، لأنه لا شىء أروع من الرضا والصبر على القضاء والقدر، خاصة إن كان بلاءَ بهذا الحجم.
أم أنك تريدين الاستمرار من أجل المستوى المادى الذى اعتاد أولادك عليه؟، أو باختصار من أجل المادة؟.. لن ألومك لو كان هذا هو دافعك، ولكنى أحب أن أخبرك أنه ليس دافعا بالقوة التى تجعلك تحتملين الضغوط والسخافات وسوء المعاملة، خاصة إذا كان أهل زوجك يخططون للتضييق عليك بالفعل كما يقول والدك، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان يا سيدتى، وحتما سيأتى عليكى اليوم الذى تشعرين فيه أنك تخسرين بهذه الحياة أكثر مما تربحين بكثير، فمهما كان مصروفك الشهرى أنت وأولادك، فلن يعوضك عن حياتك متزوجة بلا زوج وأنت فى مثل هذه السن، ولن يقويكى على دور الأب والأم معا، ولن يصبرك على معاملة أهل زوجك (غير اللطيفة) كما تقولين.. سيأتى اليوم وقريبا جدا الذى ستشعرين فيه أنك تبيعين أشياء كثيرة جدا فى مقابل هذا المبلغ الشهرى المنتظر، أهمهم استقرارك النفسى وراحة بالك.
النقطة الثانية، والتى أعتبرها فاصلة بالنسبة لقرار استمرار زواجك من عدمه، هى قدرتك أنت نفسك على التحمل، هل تجدين فى نفسك الطاقة حقا للبقاء فى هذا الوضع إلى أن يشاء الله؟، هل تريدين ذلك حقا؟، لا أسألك عن رأى أهلك أو أهله أو أيا من كان، أسألك عن رأيك أنت وشعورك أنت، ماذا تريدين؟، وإلى أى مدى تشعرين أنك ستتحملين؟.
إذا كنت تعرفين عن نفسك أنك حمولة وصبورة وقادرة على الاستمرار فى هذا الوضع، حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا، فبها ونعم، توكلى على الله وتحملى واستمرى مع زوجك، ولا أحد له أن يثنيكى عن ذلك، أما إذا كنتى تعرفين فى قرارة نفسك أنك ستتعبين قريبا، وسيفيض بك الكيل سريعا، فلتعجلى بالانفصال من الآن، حتى تتركى الفرصة للأيام كى تؤقلم زوجك وأولادك على الوضع الجديد.
كما فهمت أنك من عائلة غير بسيطة الحال، كما أنك تعملين والحمد لله، أى أنك لن تتشردى، ولن يموت أولادك جوعا، لهذا لا تجعلى المادة هى العامل الأساسى فى تقرير حياتك ومستقبل أولادك، إذا كنتى تريدين الانفصال فعلا، فالله الغنى حقا عن مال زوجك وأهله، فلا أحد سيمنع عنك رزقك الذى كتب لك من قبل أن يخلقون.
الصفحة الرسمية للدكتورة هبة يس على الفيس بوك:
Dr.Heba Yassin
د. هبة ياسين
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة