أحمد بان

الحلم المصرى بين كابوسين

الأحد، 28 سبتمبر 2014 11:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الأمم المتحدة، كلمة رصينة عميقة ودقيقة فى الطواف حول كل ما يهم العالم معرفته عن مصر الجديدة، كان حاسما وواضحا، وإن غلب على أدائه العاطفية الصادقة، التى دفعته لأن يأتى بسابقة لم تحدث فى تاريخ الأمم المتحدة، عندما هتف بحماس تحيا مصر، وكأنه يريد أن يقول ستحيا مصر رغم كل المؤامرات وكل العراقيل، وأن المصريين امتلكوا إرادتهم ولم يعد بمقدور أحد أن يغير ذلك، المدهش واللافت أن الحضور من كل وفود العالم نهضوا واقفين عندما حيا مصر وبادلوه بالتصفيق الحاد، الذى بدا كما لو كان ابتهاجا منهم بعودة مصر إلى حقيقتها.

كان من أبرز ما قاله الرئيس فى كلمته إنه أكد أن مصر الجديدة هى الحلم الذى سيفلت ويمر من بين كابوسين عاشهما الشعب المصرية فى العقود السابقة، كان الكابوس الأول هو حكم مبارك الذى وصف عهده بأنه العهد الذى ثار عليه المصريون فى 25 يناير، حيث ثاروا ضد ما سماه بوضوح الفساد وسلطة الفرد، مطالبين بحقهم فى الحرية والكرامة والعدالة الانتقالية، تلك المطالب التى تمثل برنامج عمل الرئيس وأساس شرعية حكمه، وهو بهذا الإقرار يكذب كل دعاية انصرفت إلى الحديث عن نظامه، باعتباره استنساخا لنظام مبارك وتحالف السلطة ورأس المال الذى ميز عهده الأسود، كما أنه يؤكد أنه رغم محاولات بعض حملة المباخر وصناع الفراعين، لن ينجرف إلى حكم الفرد، بل سيسعى لتقوية المؤسسات، خاصة مؤسسة الرئاسة التى ما زالت بحاجة لأن يختار الرئيس ثلاثة من المستشارين كحد أدنى، أولهم مستشار سياسى واستراتيجى، والآخر مستشار اقتصادى، والأخير مستشار للأمن القومى ولكل من هؤلاء مهام لا يستطيع أحد أن يجادل فى أهميتها الآن، لن يكون السيسى هذا الحاكم الفرد الذى ثار عليه المصريون وقد هضم تلك التجربة وعاش فصولها، كما يدرك أن الشعب الذى صبر على هذا الضيم ثلاثة عقود لن يترك لحاكم جديد أن يستبد لثلاثة شهور، ومن ثم يؤكد السيسى أن حكمه سيكون قطيعة مع هذا العهد البائس الذى ميزه الفساد والاستبداد وحكم الفرد، وتحالف المصالح والبيروقراطية المصرية التى غرقت فى بحارها كل محاولات الإصلاح.

كان الرئيس حاسما أيضا فى الحديث عن كابوس عاشه المصريون لعام، مع حكم جماعة الإخوان التى قسمت الشعب بين طائفتهم المختارة التى فتحت الأبواب لأعضائها للمرور فى كل مؤسسات الدولة، التى أوهمونا بأنهم يؤمنون بها، لكن الحقيقة أنهم جسدوا عبر الإعلان الدستورى الذى أصدره مكتب الإرشاد ثم وقعه مرسى مندوب مكتب الإرشاد فى الرئاسة، جسدوا عدم الإيمان بالدولة الوطنية ورغبة فى هدمها بعد التمكن من مفاصلها، فى وجود شعب بدا مذهولا من الخديعة، حيث تصور العديد من أبناء الشعب الطيب أنه من الصعب أن تمارس جماعة ادعت أنها تنتصر لقيم الدين جموع الشعب هذا الخداع، وتختفى خلف مقولات دينية لتقسم الشعب وتدفع الأمور نحو حرب أهلية، فى دولة شعبها مسالم متسامح وظل كذلك لقرون، قبل أن تدخل عليه مجموعات الإسلام الحركى لتغير طبيعته وتصنع لهؤلاء تنظيما سياسيا، قامت ثورة يناير لتكشف عن أنه التنظيم السياسى الوحيد فى مواجهة تنظيم الحزب الوطنى الذى كان شبكة المصالح التى ثار عليها المصريون، ولم ينتظر الشعب طويلا فى 30 يونيو، قرر أن ينهى تلك التجربة البائسة، انسجاما مع غيرته على دينه ووطنه وهويته العريقة وسبيكته الحضارية، التى هضمت كل غزو وظلت تحتفظ بطبيعتها الخاصة، حتى إنه يمكننا الحديث عن حضارة مصرية وأديان مصرية خالصة، فقد بقى الإسلام له لونه الخاص فى مصر وسطية وتسامح وانفتاح، وكذلك المسيحية المصرية ظلت لونا فريدا بين كل طبعاتها على امتداد العالم.

إن كلمة الرئيس عبر هذا المنبر وفى هذا التوقيت وبهذه اللغة والمفردات الواضحة والقاطعة، إعلان واضح أن مصر تمضى فى طريقها نحو المستقبل، متحررة من كل أثقال الماضى وتفتح الأبواب لكل المصريين الراغبين فى بناء هذا المستقبل، تدعوهم أن تشتبك أيديهم لبناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على تكافؤ الفرص والمواطنة الحقيقية، ولعل من أهم الضمانات لذلك ضرورة إجراء حوار وطنى حول قانون الانتخابات بما يحقق عدالة التمثيل، خصوصا ما يتعلق بتقسيم الدوائر فلن نعيد اختراع العجلة وفى العالم تشريعات راسخة فى أعتى التجارب الديمقراطية ستفى بالمطلوب، فى دولة تأخرت مسيرتها لعقود ويجب أن تكون خطواتها قفزا لتلحق بعالم لم يتوقف عن الحركة.

إن نقطة الانطلاق الصحيحة فى تقديرى عقب عودة الرئيس أن يدعو للفور إلى مؤتمر وطنى، يجمع خبرات المصريين فى الداخل والخارج مع كل القوى السياسية فى هذا البلد، تنطلق من خلاله مجموعة من التوصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التى تحقق توافقا وإجماعا وطنيا هو نقطة البدء فى انطلاقنا المنشود، وبالطبع ما يرتبط بذلك من تعديل قانون الانتخابات والتسريع بعقد الانتخابات البرلمانية، فلم تعد مصر قادرة على أن تمضى فى طريقها دون سلطة تشريعية تجسد سلطة وسيادة الشعب، وتضع كل المقولات السابقة على المحك، وتؤكد أن حلم مصر الجديدة يمر بالفعل بين كابوسين مضيا ولن يعودا أبدا.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة