غدا الخميس تقف المملكة المتحدة البريطانية، تلك الإمبراطورية التى استعمرت العالم لقرون فكانت لا تغيب عنها الشمس، أمام استحقاق مصيرى، حيث سيقرر شعب إسكتلندا مصيره فى استفتاء تاريخى ربما يسفر عن ميلاد دولة جديدة عاصمتها أدنبرة، دولة تنهى وحدة الاتحاد الذى تأسس بين الدولتين فى عام ١٧٠٧، استفتاء يحدد إما الانفصال أو البقاء فى الاتحاد البريطانى.
فك الارتباط بين إسكتلندا وبريطانيا بعد وحدة دامت ٣٠٧ أعوام سيحدث إذا ما صوتت إسكتلندا بنعم فى الاستفتاء، وسيكون "طلاقا مؤلما" على حد وصف رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون (زعيم حزب المحافظين)، وإذا ما جاءت النتيجة بمعارضة الاستقلال فإن ذلك سيكون حافزا لنقل سلطات أوسع من بريطانيا إلى إسكتلندا على نحو لم يسبق له مثيل.
ويأتى هذا الاستفتاء وفاء للاتفاق المبرم بين الحكومتين البريطانية والإسكتلندية فى عام 2012 الذى ينص على إجراء الاستفتاء على استقلال قبل نهاية عام 2014، يعقبه إجراء محادثات على مدى عامين لتحديد موعد زمنى لبحث الإجراءات القانونية والمالية العالقة قبل الانفصال التام فى عام 2016.
استفتاء من الممكن أن يكون مقدمة لانفصال ويلز وأيرلندا الشمالية عن الجسد البريطانى، فتصبح المملكة المتحدة غير متحدة وهذا ولد شعورا بالخطر انتاب الجميع، ووحدهم؛ الحكومة والمعارضة وكافة الأحزاب فى موقف واحد للدفاع عن ٣٠٧ سنوات من الوحدة، ويسارع قادة المملكة المتحدة الحكوميون والمعارضون الخطى للحفاظ على مملكتهم موحدة، وتسهر لندن وأرفع مسئوليها هذه الأيام على محاولة إقناع الإسكتلنديين بالبقاء ضمن المملكة المتحدة.
قلق كبير يخيم على مكتب رئيس الوزراء البريطانى من أن يفضى الاستفتاء المقرر إجراؤه غدا إلى استقلال إسكتلندا ، فعقب تصريحات ديفيد كاميرون التى قال فيها إنه سيكون حزينا وقلبه سينكسر إذا كسر الاتحاد، انضم إليه محافظ بنك إنجلترا بتحذير من التكاليف المحتملة للانفصال، إلى جانب حديث وزير المالية البريطانى عن حوافز كبيرة وتسهيلات ضريبية كثيرة إذا صوت الإسكتلنديون بـ(لا) للانفصال، وفى ظل هذا الاستفتاء، تطفو على السطح عدة قضايا مثل تقاسم الثروات الطبيعية خاصة فى بحر الشمال، وتحمل إسكتلندا قسطا من الدين العام البريطانى إذا ما جاء التصويت لصالح الانفصال.
يعارض كل من حزب المحافظين، العمل، والليبراليين الديمقراطيين، مشروع انفصال إسكتلندا عن بريطانيا، ويعتبرونه مشروعا سيؤدى إلى إضعاف كل من إسكتلندا وبريطانيا فى نفس الوقت، فالاتحاد البريطانى -الذى يضم إلى جانب إسكتلندا إنجلترا وويلز- سيواجه مشكلات كثيرة من أهمها المشكلات الاقتصادية إذ سيخسر ١٠ فى المائة من ثروته وثلث أراضيه، بالإضافة إلى تفككه وإضعافه داخل حلف الأطلنطى (الناتو) وفى مجلس الأمن، وسيؤدى الانفصال كذلك إلى تراجع تعداد السكان بما يفوق خمسة ملايين نسمة هم عدد سكان إسكتلندا، وهذا سيؤدى إلى تراجع بريطانيا للمرتبة الرابعة فى ترتيب دول الاتحاد الأوروبى، ويترتب عليه تقلص عدد النواب البريطانيين فى البرلمان الأوروبى، وتراجع نفوذ بريطانيا فى دوائر صنع القرار بأوروبا.
تداعيات الانفصال ستطول أيضا الجانب الإسكتلندى، حيث ستخسر إسكتلندا قوة الردع النووية التى تملكها وسيخسر كل مواطن ١٢٠٠ جنيه إسترلينى سنويا من دخله وربما تخسر التمتع بالجنية الإسترلينى.
العلاقات المتجذرة مع بريطانيا لن تحد من قدرة إسكتلندا على العيش مستقلة فقد ظلت لسنوات طويلة دولة لها رئيسها وحصونها وقلاعها وبرلمانها ونظامها القضائى وعملتها الخاصة، إلى جانب مقدرات اقتصادية وافرة من النفط والموارد الطبيعية والمياه والثروة السمكية والاستثمارات العالمية، مما يجعلها قادرة على إدارة نفسها بجدارة ضمن المجموعة الأوروبية، التى ستقدم لها الدعم فى طريق الاستقلال والاستقرار المالى والسياسى على حد سواء.
مؤيدو الانفصال يؤكدون أن هدفهم إنهاء الصراع من أجل السيطرة وتحديدا فى المجال الاقتصادى، مشيرين إلى أنه بانفصالهم سينضمون إلى الاتحاد الأوروبى ويلقون دعما، فيما بدأ كبار المسئولين البريطانيين الحديث عن إيجابيات وسلبيات استقلال الإقليم الشمالى للمملكة، وانتقل هذا الحديث إلى مستوى التحذير والتخويف، خاصة بعدما أظهرت استطلاعات الرأى تحولا لصالح المعسكر المؤيد لاستقلال إسكتلندا، وهى النتائج التى أثارت ذعرا وقلقا لدى الأوساط الحاكمة فى بريطانيا.
وتقع إسكتلندا فى شمال شبه الجزيرة البريطانية حيث حكمها الملوك حتى القرن السابع عشر الميلادى، و بعد موت إليزابيت الأول فى بريطانيا، تولى جيمز ملك إسكتلندا الحكم فى سلطنة البريطانية أيضا فى تلك الحقبة، وفى القرن الثامن عشر الميلادى وإثر إقرار مشروع اتحاد برلمانى البلدين، حلت حكومة إسكتلندا، وعليه فقد أقيمت دولة بريطانيا الكبرى، وفى عام 1998 وإثر متابعة إقرار قانونى فى البرلمان البريطانى، استطاعت إسكتلندا مرة ثانية أن تحصل على امتياز حكومة وبرلمان محليين، وفى السنوات الأخيرة سعى القوميون إلى تحقيق استقلال بلادهم عن بريطانيا.
وتعتبر قضية البترول من أهم القضايا المثارة بشأن استقلال إسكتلندا، حيث يصر القوميون على أن إسكتلندا المستقلة لن تفرط فى الاعتماد على البترول، مشيرين إلى أن حكومة المملكة المتحدة قد بددت معظم بترول بحر الشمال بعدم إنشاء صندوق يتم فيه استثمار عائدات بترول بحر الشمال، مشددين على أنهم سيعملون على إنشاء هذا الصندوق بعد الاستقلال للتغلب على مشكلة تقلب أسعار النفط من سنة إلى أخرى.
ولجذب تأييد العاملين فى هذه الصناعة، ألمح وزير الطاقة فى إسكتلندا فيرجوس يوينج مؤخرا أن شركات النفط والغاز يمكن أن تستفيد من إعفاءات ضريبية جديدة إذا أصبحت إسكتلندا مستقلة.
وذكرت حملة "معا أفضل" أن الاعتماد بشدة على نفط بحر الشمال سيكون خطيرا لأنه "سلعة متقلبة"، طبقا لهم، موضحة أنه فى ظل الاستقلال، ستعتمد إسكتلندا على عائدات النفط لتمويل الإنفاق العام، ولكن فى حالة انخفاض أسعار البترول فجأة، فان ذلك سيؤثر بشدة على الخدمات التى تقدمها الحكومة، إضافة إلى أنه قد لا يكون هناك كمية كبيرة من البترول فى بحر الشمال كما تتوقع الحكومة المحلية فى إسكتلندا.
وبشأن الهجرة، أعلن الوزير الأول أن إسكتلندا المستقلة ستحتاج إلى رفع معدل الهجرة السنوى لنحو 24 ألف مهاجر للحفاظ على الإنفاق العام، مشيرا إلى أن ذلك يعتبر زيادة طفيفة عن المعدل الحالى.
على الجانب الآخر، اقترحت وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماى أنه يجب تقديم ضوابط ونقاط حدودية مع إسكتلندا فى حالة استقلالها، مشيرة إلى أنها قد تنضم إلى منطقة "الشنجن" المشتركة التى لا تتبع لها بريطانيا.
وفيما يتعلق بالملكية، ستبقى الملكة هى رأس الدولة فى إسكتلندا كما هو الحال فى كندا وأستراليا ونيوزيلندا ،وقال ألكس سالموند إنه رغم أن الملكة لا ترغب فى اقتحام السياسة إلا أنها ستشعر بالفخر بأن تكون ملكة للإسكتلنديين.
وذكرت صحيفة الميرور البريطانية أن إليزابيث الثانية تشعر بقلق جديد بأنها ستصبح آخر ملكات إسكتلندا مع اقتراب الاستفتاء على انفصالها عن المملكة المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن مصدر فى القصر الملكى قوله "إن الملكة ترغب فى الحفاظ على الاتحاد وإذا كان هناك تصويت "بنعم" فهذا يضعنا فى منطقة مجهولة دستوريا ولا شيء مؤكد وكونها ملكة لإسكتلندا ليس مضومنا".
وتثار تكهنات بأنه رغم بقاء إليزابيث ملكة، إلا أن ذلك قد لا يستمر إذا رغبت إسكتلندا فى التحول إلى النظام الجمهورى، وتبقى قضية انضمام اسكتلندا المستقلة للاتحاد الأوروبى أحد أكثر القضايا الشائكة حاليا، حيث صرح وزير الشئون الأوروبية الأسبانى انيخو مينديث دى بيخو أن إسكتلندا سيكون عليها الانتظار 5سنوات على الأقل للانضمام للاتحاد الأوروبى إذا استقلت عن المملكة المتحدة، مشيرا إلى أن اسكتلندا سيكون عليها بعد ذلك التقدم لدخول منطقة اليورو.
كما تعتبر عملة إسكتلندا فى حالة استقلالها أحد أهم القضايا المثيرة للجدل على الساحة السياسية البريطانية.
وسخر قائد حملة "معا أفضل" المعارضة للاستقلال من الوزير الأول فى إسكتلندا ألكس سالموند فى أول مناظرة بينهما لعدم امتلاكه "لخطة بديلة" إذا لم تستطع إسكتلندا المستقلة فى استخدام الجنية الإسترلينى، وأصر الوزير الأول فى المناظر الثانية على أنه باستطاعة إسكتلندا استخدام الجنيه الإسترليني، مشددا على أنه يمتلك ثلاثة خطط بديلة – وهى استخدام عملة مرتبطة بالاسترلينى أو الاستخدام أحادى الجانب للإسترلينى أو استخدام عملة جديدة".
موضوعات متعلقة
بعد الإعلان عن استفتاء حول بقاء إسكتلندا ضمن المملكة المتحدة.. "واشنطن بوست" ترصد تغير خريطة العالم خلال عقدين بسبب النزعات الانفصالية والصراعات.. و8 جمهوريات وليدة منذ 1990 فى انتظار "الضيف الجديد"
غدا يوم حاسم فى تاريخ الاتحاد البريطانى.. استفتاء تاريخى حول بقاء إسكتلندا ضمن المملكة المتحدة.. الاتحاد الأوروبى فى انتظار عضو جديد.. وكاميرون يطالب الإسكتلدنيين برفض "الطلاق المؤلم"
الأربعاء، 17 سبتمبر 2014 11:02 م
رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون
(أ ش أ)
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة