نسير سويًّا فى طريق الخطاب الدينى المسيحى، لأنه من أهم المؤثرات المباشرة لتكوين الوعى الدينى للمواطن المسيحى المصرى، ذلك الوعى الذى يرسم له طريقة تعامله مع الدين والنص والموروث ومع الآخر، وهنا نتحدث عن فضيلة الطاعة، فكيف تكون؟ ولمن؟ وما هى النتائج المترتبة على مفهوم الطاعة لو كان فى غير موضعه السليم؟ لقد ذكرت الطاعة فى الكتاب المقدس فى أكثر من موضع «ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس»، «أيها الأولاد أطيعوا والديكم فى الرب لأن هذا حق»، «طهروا نفوسكم فى طاعة الحق بالروح»، «خاضعين بعضكم لبعض فى خوف الله»، وهنا وبالنظر لهذه النصوص المقدسة نجد أن فضيلة وقيمة الطاعة تتمثل فى طاعة الله وحده ولوصاياه، طاعة الوالدين فى الرب، التطهر فى طاعة الحق، ولن يكون هناك خضوع للوالدين أو للآخر غير الخضوع لله، ولمخافته، وهذا يعنى أنه لا طاعة لبشر غير الله وبشكل مطلق وهى تلك الطاعة العمياء تحت أى مسمى أو باسم أى تبرير روحى، فكيف يعالج الخطاب الدينى مفهوم الطاعة؟ هنا نرى مرة أخرى تأثير الحياة الرهبانية على الكنيسة بإسقاط وإلزام بمفاهيم رهبانية تخص الرهبان على عامة الشعب المسيحى الذى لا علاقة له بالرهبنة، فالحياة الرهبانية هى حياة خاصة واختيار شخصى لمن يختار الرهبنة، وبالمقابل هى عالم له نظامه الخاص وقيمه الخاصة التى تعتمد على الطاعة، ولذلك ظهرت مقولة «على ابن الطاعة تحل البركة» ومقولة «حال المخالف دايما تالف»، وهى مقولات ليست كتابية ولكن للأسف الشديد بعد تأثير الرهبنة فى الحياة الكنسية بشكل عام بعد القرن الثالث الميلادى قد نقلت هذه المفاهيم الرهبانية للعالم داخل الكنيسة، حتى إن هناك كثيرين يتصورون خطأ أن ربط الطاعة بالبركة هو نص إنجيلى، الشىء الذى ترسخ وتكرس فى المفهوم الجمعى فاستغل استغلالا بعيدا عن المفهوم المسيحى، ولا يليق بفضيلة الطاعة لله وحده، وبالممارسة والتواتر وبتقديس غير المقدس وخلطه بالمقدس، وجدنا مفهوم الطاعة قد تحول إلى طاعة عمياء بلا فكر ولا مناقشة لرجال الدين، خاصة أن هناك مكانة خاصة فى المفهوم الدينى فى الكنائس التقليدية غير البروتستانتينية لرجال الدين، فأصبح رجل الدين بالنسبة لكثير من المسيحيين هو الذى يقول فيطاع، فهو من يحدد الكلية للطالب والعريس للفتاة، وهو الذى يستشار فى كل مناحى الحياة التى يفهم فيها والتى لا علاقة له بها، وبالطبع هناك رجال دين حكماء ومجربون، ويملكون المشورة، ولكن هذا بالطبع هو الاستثناء، وهنا كانت هناك مواقف سياسية لا علاقة لها بالدين ولا الكنيسة ومازالت يمارس فيها رجال الدين والقيادة الكنسية سطوتهم المستمدة من هذه الطاعة العمياء مثل التدخل فى الأمور السياسية والمعارك الانتخابية خلطا واستغلالا لمفهوم الطاعة الخطأ الذى فرض على أبناء الكنيسة المخلصين الوارثين التقليديين، حتى إننا نجد كثيرا من المتعلمين والفاهمين يخضعون لمقولة رجل دين خاطئة شكلا وموضوعا وكأنها هى الحق، تطبيقا لمفهوم الطاعة العمياء، ناهيك عن بعض الممارسات التى تقدم لرجل الدين والتى تتناقض مع المسيحيين تحت اسم الاحترام الموروث والخاطئ، وهذا بلا شك يخلق شخصية هلامية سهلة الخضوع للآخر غير قادرة على الحوار مع الآخر، شخصية تلقينية بلا فكر، ولا موقف، شخصية تنتظر الأمر من الآخر حتى تنفذ، وهنا فهذا لا يعنى أن يكون العناد مقابل الطاعة، ولكن نريد الطاعة كما وضعها النص وكما يجب أن تكون دون تأليه لبشر، فيجب ألا تتعارض الطاعة مع وصايا الله، ولا تتعارض مع العقل، وأن تكون فى صالح الإنسان وخلاصه الأبدى، وأن تكون فى حدود وإمكانات الشخص ونافعة له وللآخرين، حتى يكون هناك المواطن الفاهم المدرك المفكر صاحب الموقف الذى تحتاجه مصر الآن.ف
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة