يوسف الحسينى

من قطر: «نحن تل أبيب»

الأحد، 31 أغسطس 2014 08:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
استكمالا للمقال السابق وبتبديل كلمة واحدة فى عنوانه «نحن بديلا عن هنا» سيبدأ القارئ فى السؤال حول مدى خطورة الدور القطرى فى المنطقة وللإجابة عن هذا السؤال يتوجب على الكاتب شرح طبيعة تداول السلطة فى قطر والتى شابها الكثير من الشبهات منذ استيلاء الأمير أحمد بن على آل ثان على الحكم بعد إطاحته بوالده عام 1971 الذى وافته المنية فى بيروت ليعود جثمانه دونما انتظار من الابن فى واقعة لم تثر أحدا نظرا لتوقع الكثيرين لهذا النحو بل انتظر الجثمان ابن الأخ خليفة بن حمد الذى كان قد صار أميرا للدولة، بعد أن كان قد انقلب بدوره على الحاكم السابق ابن عمه أحمد ليحول دون تولى ولده عبدالعزيز مهام الإمارة ليستمر مسلسل الانقلابات فى قطر بعد ذلك مثلما انقلب حمد على أبيه بما سمى الانقلاب التليفزيونى ووصولا إلى انقلاب تميم الناعم على والده ليكمل سلسلة أصيلة ممتدة من العقرب السياسى والعائلى بين أفراد العائلة هذا من ناحية شكل تداول السلطة فى قطر والذى يشير ببداهة سياسية لا تحتاج إلى فطنة المحللين إلى أن نظم الحكم هناك طالما كانت مهددة بالتقويض والإطاحة إلا أن الصراعات الأميرية، إن صح التعبير، لن ترجح كفة إحداها إلا بدعم من دولة ذات تأثير فى المنطقة وقد كانت بريطانيا المحتلة لتلك البقعة فى مرحلة ما هى صاحبة ذلك الثقل المرجح ثم انتقلت تلك المسؤولية إلى الولايات المتحدة بهدف إعادة حساب التوازنات العالمية بعد ذلك وهو ما وعاه الأمراء فى تلك البقعة الصغيرة فما كان مِن مَن أراد الحكم إلا أن يستوعب طبيعة الدور الذى ستلعبه الإمارة الصغيرة فى المنطقة والتى يحمل حكامها إرثا من البغضاء تجاه بعض من إمارات وممالك المنطقة فسيظل محفورا فى ذهن القصر هناك أن إمارة دبى كانت جزءا من حكمهم العضود حتى إن الإمارتين كانت لهما عملة موحدة إلى أن انفصلت دبى وانضمت إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وهو ما يفسر جزءا من أسباب تآمر النظام القطرى ضد إمارة دبى تحديدا كما أن علاقة أسرة آل ثان تمتلئ بإرث البغضاء أيضاً تجاه أسرة آل سعود الحاكمة فى المملكة العربية والتى تعد الدولة الأم لمجموعة دول الخليج العربى لروابط قبلية وإثنية باستثناء سلطنة عمان، وهو الأمر الذى يسر نوعيا قيام مجلس التعاون الخليجى - فى مرحلة ما - السير بخطوات ثابتة نحو عملة موحدة ومصرف مركزى واحد فى حالة قد تدفع إلى شكل من أشكال الوحدة التى تتعدى التنسيق أو التعاون الاقتصادى والمالى والتجارى، وهو الأمر الذى أزعج أكثر من قوة إقليمية - إيران وتركيا والكيان الصهيونى المحتل للأرض العربية - وبالتأكيد يمضى هذا الانزعاج على امتداد خط القوى الفاعلة ليصل إلى الولايات المتحدة والتى كانت ترى أن حليفها الاستراتيجى فى تل أبيب يقوم بمهمته على أكمل وجه، كما أن علاقتها المتميزة بدول الخليج كانت لا تضمن فقط لها الاستقرار فى المنطقة بل الوجود بعيد الأمد فى ظل سيطرة شبه كاملة على البترول الخليجى، وهو ما كان الركيزة الوحيدة للاقتصاد هناك، لكن التطور فى شكل العلاقات الخليجية - الخليجية أدى إلى خلق أنماط اقتصادية جديدة فى المنطقة تبدو أكثر رسوخا وأطول عمرا وتلك الأحلام التى تترأى فى الأفق الخليجى صارت باعثا رئيسيا لخلق حليف جديد بخلاف الكيان الصهيونى ليستطيع لعب الدور الذى لن تتمكن تل أبيب من لعبه، وكانت عودة أطروحة صمويل هنتجتون الشهيرة «صراع الحضارات» وهى الحضارات التى يتكون منها العالم، «الصينية، اليابانية، الهندية، الإسلامية، الغربية، الأرثوذكسية، الأفريقية وأمريكا اللاتينية» وأن ما يحكم العلاقة بين تلك الحضارات هو «الصدام»، هذا الصدام أساسه الثقافة أو الهوية التى تحكم كل حضارة، وذلك كما قال هنتجتون «إن الثقافة أو الهويات الثقافية، والتى هى على المستوى العام، هويات حضارية، هى التى تشكل أنماط التماسك والتفسخ والصراع فى عالم ما بعد الحرب الباردة».. وهو ما كانت تفكر به الولايات المتحدة منذ عهد كارتر وتحديدا فى عام 1979 لخلق مشروع إضعاف الحضارة الإسلامية ككل عن طريق إغراق الجذور حيث كانت قد فلحت فى زرع الكيان الصهيونى فى المنطقة كبؤرة احتقان وصراع دائم يصقل بين الجانبين الآسيوى والأفريقى فى المنطقة العربية - الجذور - وفصل بين الشام ومصر كقوتين إقليميتين ليسا فقط على الصعيد السياسى بل والاقتصادى وعلى نفس الصعيد تظل مطلة على تخوم قناة السويس ولصيقة بشبه جزيرة سيناء ثم جاء طرح صراع الحضارات فى معهد أمريكان انتربرايز 1993 لينشره هنتجتون فى مجلة فورين آفيرز فى نفس العام ليثير بعده جدلا عالميا واسعا، من هنا يبدأ التفكير فى خلق كيان لضرب التجمع الإقليمى الجديد على ضفاف الخليج عن طريق نظام على استعداد أن يقوم بالدور القذر نظير مكاسب العرش وهو ما أدى لانقلاب 1995 فى قطر وتولى حمد بن خليفة آل ثان لمقاليد السلطة لتصبح هى الذراع الجديدة للولايات المتحدة فى المنطقة، فتبدأ مع حمد تطبيق نظرية أن الغرب فاز بالعالم ليس بتفوق أفكاره أو قيمه أو ديانته، ولكن بتفوقه فى تطبيق العنف المنظم «وهو الدور الذى دعمه حمد بن خليفة حتى عزله لتجد نفسك أمام تطبيقات العنف المنظم فى البحرين بدعم قطرى، مثيله فى السعودية ومحاولات فى إمارة دبى وأخرى فى الكويت بحيث يكون القاسم المشترك دائماً هو قطر فى إطار جهد قطرى حثيث لتفتيت المشروع بل تصل اليد القطرية لهدم التماسك السورى ضمانا لتماسك الكيان الصهيونى من جهة والدفع بالمزيد من البلبلة فى لبنان وبالطبع دورها غير الخافى بالإطاحة بنظام القذافى وبتعليمات مباشرة من الأمير تميم الذى كان وليا للعهد آنذاك وصولا إلى حالة اللا دولة فى ليبيا بحيث ينتقل العنف إلى الشمال الأفريقى؛ ومن ثم يحصل تميم على مكافأته.
على جانب آخر تجد حسابا خاصا للنظام القطرى حيث يعتبر نفسه نوعاً من القدوة الفائقة الحداثة فمن وجهة نظرهم، أن آل سعود فى السعودية وآل خليفة فى البحرين وآل نهيان فى الإمارات وحتى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس جميعهم «أنظمة قديمة». هذا مع العلم أن معظم القطريين ينتمون إلى الحركة الوهابية، وهى الفرع المتشدد من الإسلام والذى يمارَس فى بقاع شتى من المملكة العربية السعودية أيضاً مع بعض الاختلافات الواضحة «إذ يُسمح مثلاً للنساء القطريات بقيادة السيارات». ولكن فيما يبدو أن العاهل السعودى الملك عبدالله رأى مدى الخطورة التى يشكلها الإسلام السياسى بقدر يوازى خطورة الإسلام الشيعى فى نظره، بينما تبنت عائلة آل ثان وجهة النظر المعاكسة حيث ترى فى سنّة «حماس» المتشددين وحتى فى حركة «طالبان» الأفغانية الطريق نحو المستقبل.
وكان من شأن الاضطرابات التى حدثت خلال السنوات الثلاث الماضية أو أكثر أن وضعت هذه الفلسفة قيد الاختبار، لكن الدوحة لا تزال تعتبر وجهة نظرها سليمة فقد غمرت الفرحة آل ثان عند الإطاحة بحسنى مبارك فى مصر واستبدال حكومة «الإخوان المسلمين» به «علماً بأن شعورهم هذا نتج أيضاً عن عداوتهم الشخصية مع مبارك، وهى نقطة مهمة لكنها مُغفلة غالباً فى العلاقات بين الدول العربية». إلا أن انعدام الأهلية الإدارية الفادح لدى «الإخوان» إضافة إلى انكشاف نوابهم بمنتهى السرعة خيّب آمال الدوحة، واليوم قبلت الدوحة على مضض وصول الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الحكم، مع أن القاهرة لا تزال مصرة على معاقبة قطر على موقفها السابق ولها فى ذلك طرقها.
هنا يبدو أمام القارئ بجلاء قد يقبل النقاش أن الدوحة تقوم بالعملية القذرة التى لا تستطيع أن تقوم بها تل أبيب ليس لحسن فى نوايا الثانية أو شرف معدوم بالقطع، وإنما لعدم الاستطاعة ليس إلا، فدخول تل أبيب فى قلب هذا قد يهدم المخطط بكامله فسيظل الكيان هو الجسم الغريب فى المنطقة والعقل الذى يدير العملية عن بعد وبلا تعرض لمخاطر داهمة أولها الاتفاق على ضرره بأشكال متفاوتة ومتصاعدة وهو ليس المرجو بحال ما، وإنما نقيضه، أما الدوحة فستظل هى المدينة العربية التى لها قدرة الولوج والاختراق الذى لا يحتاج إلى حذر فتصبح خطرا لا يقل عن تل أبيب.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة