يروى أجدادنا بفخر قصة ضابط المباحث الذى جاءت خدمته فى مركز قفط بمحافظة قنا، أقصى صعيد مصر، والذى كان يستيقظ حين ينام الناس، ويظل يتجول بدوريته طوال الليل ليشعر أهل القرية بأن هناك من يرعى محاصيلهم ومواشيهم من لص غادر، أو صاحب ثأر يشفى غليله بأذى خصومه، وكان هذا التفانى من جانب الضابط يخفف من كراهية الناس للشرطة، وتذمرهم من تجاوزها، ويخفف أيضًا من ترسخ الصورة الذهنية بعقاب الضباط المخطئين بنقلهم للصعيد، ربما لطيبتهم ورضاءهم بالأمر الواقع، وحساسيتهم فى التعامل مع الرسميات، وهو فى حقيقة الأمر عقاب للمواطنين الجنوبيين بتكدس تلك الكوادر القليلة الكفاءة فى بلادهم.
تذكرت هذا الأمر هذه الأيام فى ظل حالة التناقض التى يراها أهل الصعيد، وارتباكهم من مخالفة ما يرونه ويسمعونه فى وسائل الإعلام من استعادة الشرطة لعافيتها، والعودة النسبية للأمن، وبين ما يعيشونه فى واقعهم من قلق وتوتر متلازمين طوال اليوم خوفًا على منازلهم ومحاصيلهم ومواشيهم وأرواحهم أيضًا.. بعضهم يرفض الآن أن ينام نهاره ليستيقظ ليلًا لحراسة ما تبقى من مواشٍ يربيها لتقلبات الزمن وستر الأبناء.. عائلات بأكملها تقسم وقتها ورديات لحراسة ممتلكات يحوم حولها حفنة من «الصيع» الفشلة استهوتهم السرقة فأصبحوا لصوصًا محترفين لا يتوانون عن سرقة أى شىء مهما كان رخيصًا، ويخربون بيوتًا لا يعلمون كيف يوفر أهلها قوت يومهم.
وسط كل هذا القلق والمناخ الأمنى الفاسد لا يسع الناس سوى أن يكفروا بالحكومة، وتنعدم ثقتهم بذراعها القوية المتمثلة فى الأمن مادام عجز عن تأدية واجبه، ولا يعرف الناس طريق مركز الشرطة سوى فى استخراج الأوراق الثبوتية، بينما تتزايد شعبية الحلول العرفية التى تلغى دور القانون والنظام، وهم معذورون فى ذلك، فمن ذا الذى يستطيع إقنعاهم بأهمية القانون وسلطة الدولة، وهم يعرفون أماكن من يسرقونهم والشرطة أيضًا تعرفهم ولا تستطيع الاقتراب منهم؟، حتى أنهم يسخرون منها بتجمعهم يوميًا أمام منازلهم لتناول شاى العصارى حاملين أسلحتهم الآلية.. لا أعتقد أن هذا يرضى أى مسؤول شريف فى هذا البلد، بدءًا من أصغر فرد فى الداخلية، حتى الرئيس عبدالفتاح السيسى.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد ادم
ما تبقى من صبر أهل الصعيد