لم يعد لبنان وحده هو المعبر عن نظام الطوائف فى العالم العربى، وإنما العالم العربى كله أصحاب.. يواجه مشكلة صعود طوائفه فى مواجهة الدولة، ففى العراق وقد صعدت الطائفة الشيعية لتحتل الدولة العراقية وتحولها إلى دولة فى عهد المالكى بدعم إيرانى، حدث ما يمكن أن نطلق عليه التأسيس لأنظمة الطوائف، الدول تتسلمها طائفة لتعبر عن إحباطاتها وغضبها وثأرها وانتقامها، فتحولت مؤسسات الدولة إلى تعبير عن الطائفة، نحن أمام ظاهرة الدولة – الطائفة وليست طائفة فى مواجهة الدولة.
ما حدث فى العراق من تسليم الدولة لطائفة، كانت محرومة من السلطة خلق حالة اندفاع نحو الثأر والظلم من بقية المجتمع الممثل بشكل أساسى فى المنتمين للسنة فى العراق، الدولة – الطائفة استخدمت أدوات الدولة فى مواجهة جماعة من نسيج المجتمع، فتحولت الجماعة للدفاع عما اعتبرته ظلم الطائفة المسيطرة على الدولة، ومن هنا نشب الصراع السنى – الشيعى فى العراق بدعم أمريكى وإيرانى. فى سوريا توجد حالة مشابهة، دولة تحتلها طائفة هى الطائفة العلوية، ورغم تبنى الدولة لعنوان القومية العربية، وأفكار البعث، إلا أن ذلك كان ستارا للهيمنة على بقية أطياف المجتمع السورى الذى يمثل السنة الغالبية فيه، ومع بزوغ الثورة السورية فى مطلع عام 2012 وتوجه النظام لقمعها بعنف، وتحولها من السلمية إلى العسكرة ودخول قوى التطرف الدينى إليها معبأة بعقيدة دموية ظهر تنظيم داعش، تنظيم داعش تعبير عن منطق الطائفة التى تريد أن تتسلط على مجتمعها وفق أيديولوجية دينية قاسية، تخفيها تحت عنوان الخلافة، أى أن داعش كطائفة ظهرت فى سياق ظهور الدولة – الطائفة أى الدولة التى تختطفها طائفة لتتسلط على مجتمعها بقوة القمع وبعض من أيديولوجيات بائدة، تتغنى بمقاومة الكيان الصهيونى، أى أن طائفية الدولة العربية كما تجلت بأجلى صورها فى العراق وسوريا هى التى أنتجت داعش – الطائفة التى تحاول أن تختطف مظالم السنة، وتختطف الإسلام ذاته لتعبر عن نفسها باعتبارها تمثيلا لدولة السنة المفقودة، دولة الخلافة فى اليمن، نحن أمام طائفة الحوثيين وهى تجاهد الدولة اليمنية، وقد كانت تلك الطائفة زيدية تقليدية ولكن مع ظهور دولة الطائفة فى إيران، الدولة المعبرة عن صعود شيعى فى العالم العربى، والتى أعطت شرعية لدولة الطائفة فى المنطقة، ومن ثم فقد سعت لتعميق الطائفية من خلال إغراء الحوثيين بالتحول عن المذهب الزيدى للمذهب الإثنى عشرى، وأصبحت الطائفة أداة فى يد إيران فى مواجهة الدولة اليمنية الضعيفة والتى تواجه مخاطر القاعدة ومخاطر القبيلة معا.
إيران كانت ضالعة وبقوة فى التأسيس لنظم الطوائف ودول الطوائف والحركات الاجتماعية للطوائف، وهو ما قاد لظهور داعش كطائفة، فإيران هى من دعمت حزب الله، وقد كان المعنى الطائفى له متواريا حين كان يقاتل الصهاينة، أما الآن فهو يقاتل فى سوريا إلى جوار نظام مستبد يقتل الآلاف من شعبه، وهم من دعموا طوائف الجماعات المختلفة الشيعية فى العراق مثل عصائب أهل الحق، وتنظيمات بدر وكتائب أبو الفضل العباس وهذه كلها جماعات لا تصوب رصاصة واحدة فى مواجهة أعداء الأمة وإنما فى مواجهة بعضها بعضا فى فتن حروب دينية، تذكرنا بالحروب الدينية الدموية فى العصور الوسطى. نحن فى عصر الطوائف بامتياز، ولكل من هذه الطوائف شهداؤها وجنتها ونارها، وقائمة وصم المختلفين مع الطوائف والطائفية بالخيانة والغدر والسحق، والذهاب إلى الجحيم. من يقرأ تاريخ الطوائف فى العالم الإسلامى، يعرف أنها كانت عنوانا على الانحطاط الحضارى، وعنوانا على تحول طاقة الأمة للاقتتال الداخلى كل يشهر سلاحه فى مواجهة الآخر فى فتنة عاتية، تنذر بتفكيك المجتمعات وخسارة رأس المال الحضارى والإنسانى والأخلاقى لأمتنا جميعا، ليست داعش وحدها، ولكنه عصر كامل، إيران كانت جزءا من مشكلة العراق وسوريا ولبنان واليمن لذا يجب ألا تكون جزءا من الحل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة