يستهل المواطن (س) يومه بأنباء عن «داعش» و«حماس» واشتعال الموقف بشتى أنحاء المنطقة، واقتراب انتهاء أزمة الكهرباء، فيكتفى بابتسامة ساخرة ويتوجه لعمله، وبعد ساعات يتجرع خلالها المرارات ونفاق مديريه، يعود لمنزله مُنهكًا، فيتعثر بمشاجرات قادة السيارات فتتعطل الطرقات، ويقف رجال المرور كأنهم «شواهد قبور» لهذا اعتدنا التعايش مع الفوضى المزمنة بالقاهرة.
سيكون حظ المواطن عاثرًا لو تصادف خروج مظاهرات الذين يرفعون صور المعزول و«علامة رابعة» ويهتفون لخرافة «الشرعية» وستجدهم ذات الأشخاص، لبعضهم لحى مرسلة، ولآخرين مظهر عادى، ناهيك عن سيدات لا تُخطئهن العين، فمنهن مثلاً مناضلة محترفة تزوجت وطلقت وصادقت دستة رجال، وناضلت لأجل «البروليتاريا» و«قوى الشعب العاملة»، وهتفت ضد الاستعمار، بعدما حمل عصاه ورحل، ووقعت على كل عرائض المنظمات الحقوقية، لكنها لم تضبط يوماً واقفة بطابور خبز، ولم يسبق لها استخدام وسائل النقل العام، ولا أحد يعرف مصدر عيشها.
هذه النماذج جعلت المواطن الذى لا أزعم الحديث باسمه، بقدر ما أتفهم طريقة تفكيره، التى جعلته يُبغض النخبة والإخوان ويحتقرهم، ولو ناقشته موضحًا مخاطر مخططات التقسيم الوشيك للمنطقة، سيقول: لا يعنينى سوى سلامة واستقرار مصر، وأثق بقدرات جيشنا بحمايتها، فالمنطقة مُقسمة بالفعل، والاستقطاب وصل للبيت الواحد، وغاية ما يريده العيش بسلام، وتوفير لقمة العيش لأسرته.
ولأنك عزيزى النخبوى قابع ببرجك العاجى، فلن تتفهم منطق المواطن (س)، بل ستسعى لإثبات جهله، وترهبه بمصطلحات العيار الثقيل مثل «الأمن القومى» الذى يهدده، وحينها أرجوك ألا تندهش إذا سقط المواطن على الأرض مغشياً عليه، ليس لأنه يعانى أزمة قلبية وارتفاع الضغط، لكن لأنه أفرط بالضحك، فقد تجرع هذه الفزاعة عقودًا، تارةً بالأغانى الوطنية، وأخرى عبر منظومة إعلامية تتبارى بالمكالم الليلية، كأننا حسمنا مؤامرات الإخوان، وتفرغنا للمهاترات ووصلات الردح.
لن يتبقى لديك عزيزى النخبوى و«الإخوانجى» سوى الورقة الأخيرة، رغم خطورتها، وستهمس للمواطن بأنها حرب تستهدف الإسلام، فالغرب يسعى لإجباره على اعتناق المسيحية، وربما يرتبك قليلاً، باعتبار أن الأمل برحمة ربه آخر ما تبقى لديه من جدران يريح عليها ظهره المُتعب، لكنه سيعود لمكره متسائلاً باستهجان: ولماذا لم تبدأ أمريكا وأوروبا بما لديهما من المسلمين فتجبرهم على اعتناق المسيحية؟
حينئذ لن يبقى لديك سيدى النخبوى سوى اتهام المواطن بالخيانة وربما الكفر، وسيتضح اصطفافك مع الإخوان صراحة باتهام هذه الشعوب باستمراء العبودية، وأنها لا تستحق إهدار وقتك الثمين وعبقريتك الفذّة لأجلها.
ولأن المواطن (س) يقابلنى يوميًا، فقد أخبرنى بأنه يعانى تيبس أحلامه، وتواضع تطلعاته، وتنازل عما كان يسمى «الأمنيات المشروعة»، وغاية ما سيفعله هو الصمت، ولن يبتلع طُعم النخبويين والإخوانجية مُجدداً، بل سينتظر ويرى، فليس لديه ما يخسره.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة