علاء عبد الهادى

فى صحبة الغيطانى وأصلان

الثلاثاء، 12 أغسطس 2014 11:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المثل الشعبى يقول تعرف فلان؟ آه.. سافرت معاه؟.. لا.. يبقى ما تعرفوش.
الأمثال عصارة خبرة الشعوب عبر آلاف السنين.
عرفت الكاتب الكبير جمال الغيطانى كمفكر، وقامة أدبية كبيرة، وعرفته كرئيس تحرير ناجح لجريدة «أخبار الأدب»، وأتيح لى شرف الاقتراب منه اقتراب التلميذ الذى يتمسح فى أستاذه، يتلمس تجربته، ويتحسس خطاه فى دنيا الكتابة، وأشهد أن الرجل لم يغلق بابه فى وجهى، أو وجه غيرى، حسب معلوماتى.
وعرفت الغيطانى فى المنتديات الثقافية، وضيفا رئيسيا على أية تظاهرة ثقافية مصرية ذات وزن وثقل.
قبل ثلاثة أعوام تقريبا أتيحت لى فرصة عظيمة لم تتح لكثيرين من أبناء جيلى، وهى الاقتراب من الغيطانى أثناء السفر، ولأننا فى مقام الاستشهاد بالأمثال فقد كنت مثل «الفقى لما يسعد تجيله ختمتين فى ليلة واحدة»، حيث وجدت أننى سوف أكون بصحة الغيطانى، والأديب الراحل العظيم إبراهيم أصلان، هكذا مرة واحدة وبدون ترتيب مسبق.
كان ذلك فى إسطنبول، عندما حلت مصر ضيف شرف على معرض إسطنبول للكتاب، وكانت تلك الدورة الأولى التى يأخذ فيها المعرض صفته الدولية. ما يعنينى أننى وجدت نفسى وقد نلت شرف أن تأبط ذراعى عمنا أصلان، وعلى يمينى الغيطانى، مع حفظ الألقاب والمقامات، ورحنا نمشى الهوينى على خطى أصلان فى جولة فى أحد أهم أسواق إسطنبول الأثرية.. أصلان يريد شراء هدايا تذكارية من السوق المغطى فى «الرجرانتد بازار»، بجوار منطقة سياحية مشهورة هناك تسمى «بيازيت»، للأسف نجحوا فيما فشلنا فيه، حافظوا على تراثهم الأثرى وأصبحت هذه الأسواق والقصور الأثرية من الفترة العثمانية فرخة تبيض ذهبا للاقتصاد التركى، الغريب أننا لدينا ربما أكثر مما لدى تركيا، ولكن أتعرف ما آلت إليه تلك القصور والأسواق؟!
المهم أننى اكتشفت فى الغيطانى مهارة تقييم أى شىء مصنوع باليد، وقدرة كبيرة على تقييم الأحجار الكريمة وشغل الفضة، وتابعته وهو يفاضل بين نوعى خاتمين، حسب نوع الحجر، واختار أحدهما لأنه يضفى شيئا من الغموض والسحر على من يرتديه.
فجأة قال الغيطانى أنا أدعوكم إلى جلسة، بالتأكيد سوف تعجبكم وسوف تشاطروننى عليها، أدعوكم إلى مقهى «على باشا مدرسة» الأثرية.
تركنا السوق وبدأنا نسير خلف الغيطانى فى شارع ضيق أقرب إلى الحارة، يشبه إلى حد كبير شوارع القاهرة القديمة التى كانت، مرصوفا بالبازلت الأسود، شيئا فشيئا بدأ الطريق يضيق أكثر ويأخذ اتجاه الصعود، وبدأت أستشعر معاناة أصلان فى المشى من خلال تحميله على ذراعى، ولكن كله يهون فى صحبة أصحاب المقامات الرفيعة.
قال الغيطانى إنه قرأ عن هذه المقهى الأثرى، وبذل جهدا كبيرا فى زيارة سابقة، حتى وصل إلى المكان، واكتشف أن هناك من المثقفين والأثريين الأتراك من لا يعرفون أهميتها أو مكانتها.
أخيرا وصلنا إلى «على باشا مدرسة» هكذا نطقها الصحيح وليس خطأ.. مقهى داخل مبنى أثرى الطريق إليه يمر عبر عطفة قصيرة، وعلى الجانبين هناك من يعلق على الجدران «أنتيكات أثرية».
جلسنا على المقهى، الجو بارد، ولكن هناك دفايات بالغاز تدفئ الجو، وكل شىء حولك ينطق بعبق التاريخ، المشكاوات الثرية، ذات الطابع التركى معلقة هنا وهناك، وعلى الجهة المقابلة للمقهى توجد مقبرة أثرية، وعلى بعد خطوات عدة مساجد أثرية، تشعر وكأن الزمان عاد بك إلى النصف الأول من القرن فى قاهرة المعز التنى نجحنا فى قهرها شارعا شارعا وعطفة عطفة!.
وقت ممتع تخلله ضحك من القلب أدمع أعيننا، بسبب حكاوى أصلان الجميلة عن المعسل الذى يصنع فى أحد مصانع «بير السلم» من قشر البطاطس.. «وأهو كله دخان» والناس مبسوطة.
فجأة تذكرت أننى صحفى، وقررت أن أبادر أديبنا الغيطانى بسؤال: أراك معجبا بالمكان بدليل أنك دعوتنا لزيارته، إذن لماذا عارضت مشروع باب العزب، وكان يهدف، حسب المعلن، إلى تحويل المنطقة الخربة المحيطة بالقلعة إلى أماكن تعج بالحياة مستندة إلى المحيط الثرى والتراثى للمكان؟
صمت الغيطانى لوهلة، ثم نظر إلىّ نظرة تأمل واستغراق، وهز رأسه وقال: أنا لم أعارض يوما شيئا إلا للصالح العام، وأنت تعرف أننى كنت بعد ذلك من أشد المعجبين بما تم إنجازه فى شارع المعز لدين الله، وحضرت افتتاحه.
وقال الغيطانى ما معناه أن مراجعة المفكر لآرائه فى ضوء مستجدات ومعلومات جديدة لا تنتقص منه، ولكنها تصب فى صالحه.
مناسبة هذا الكلام المعارك الخاسرة التى يقودها كل وزراء الآثار الذين جاءوا منذ ثورة يناير وحتى اليوم لاسترداد شارع المعز من براثن الفوضى والتعدى.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة