مضى رمضان بأيامه المباركة ولياليه التى كانت تفوح بالروحانيات.. مضى رمضان وها نحن نعيش آخر أيام عيد الفطر المبارك التى أحاطها الخالق عز وجل ببهاء، واختصها من عنده بنفحات روحانية، حيث يمثل العيد أبهى مظاهر الفرحة فى قلوب الكبار والصغار على حد سواء.. مضى رمضان بفضائله التى لا تعد ولا تحصى، من تهذيب للنفس، وتربية للصائم على الفضائل، وعمل الخير.. مضى رمضان وترك بداخل كل منا سؤالاً مهمًا : ماذا نحن فاعلون؟ وبماذا خرجنا من تلك الأيام العطرة التى عشناها فى الصيام والقيام والتواد والتراحم؟ ماذا نحن فاعلون بعد كل تلك الحالة الروحانية التى عشناها بما فيها من عبق الإيمان، وحلاوة التقرب إلى الله ونعمة قراءة القرآن طوال الشهر الفضيل؟
أليست هذه فرصة ذهبية لأن نتوقف أمام أنفسنا فى لحظة مصارحة ومكاشفة، هدفها البحث عن أفضل السبل حتى يتحول كل منا فيما بعد أكثر قدرة على العطاء للوطن الذى هو فى أشد الحاجة الآن لكل عمل مخلص، ولكل يد تبنى وتنهض بالمجتمع، ولكل يد تحمل السلاح فى وجه الإرهاب الأسود الذى يريد جرنا إلى الوراء، ويريد أن يجهض أية بادرة أمل فى خلق غد مشرق.
نعم إننا وبعد كل ما عشناه من روحانيات على مدى شهر كامل، أصبحنا فى أمس الحاجة إلى تغيير الخطاب الدينى ليكون أكثر ملاءمة لمعطيات المرحلة التى نعيشها الآن، ففى خطابه للأمة فى الاحتفال بليلة القدر قال الرئيس السيسى: «جميل أن نحتفل بحفظة كتاب الله، لكن المهم أن نحتفل بفهم حقيقى وأبحاث حقيقية لكتاب الله».
وأشار إلى أنه ليس من المهم فقط حفظ كتاب الله، لكن الأهم فهمه فهمًا حقيقيًا قدر الإمكان، وبما يتناسب مع متطلبات العصر الحالى والجاهزية لهذا التحدى، وأن ينعكس ذلك على ممارساتنا. وشدد الرئيس على ضرورة أن ينعكس هذا الفهم على كل مناحى الحياة، فكثير منا يحفظ القرآن، لكن هناك أناسًا يقتلوننا حافظين له، ودعا إلى تعميم المفاهيم القرآنية، مثل الصدق والإتقان والسماحة، على المجتمع، مثمنًا ما وصفه بـ«الدور العظيم» للأزهر الشريف كمؤسسة دينية، مؤكدًا دعمه الكامل له.. وتطرق إلى قضية الخطاب الدينى، فأشار إلى أن هذا الخطاب يتطور بالتطور الإنسانى، موضحًا أنه لا مساس أبدا بثوابت الدين، لكن الخطاب الدينى فى التعامل مع الناس لا يمكن أبدًا ألا يكون قادرًا على التعامل مع التطور الإنسانى الذى خلقه الله، خالق كل الأديان.
وحينما أتوقف عند مسألة الخطاب الدينى، وضرورة أن يكون مختلفًا ومسايرًا للتطور الذى طرأ على جميع نواحى الحياة، فإننى لا بد أن أشيد بالمجهود الكبير الذى يبذله الآن الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، فى الحرب التى يخوضها وبكل شجاعة ضد التطرف، والقضاء على منابع الإرهاب التى كانت تتخذ من منابر المساجد الصغيرة والزوايا فى المناطق الشعبية نقاط انطلاق لها، فتبث سمومها بين البسطاء من الناس الذين كانت تخدعهم الكلمات المعسولة التى يسمعونها من هؤلاء «الإرهابيين» من فوق المنابر التى ظلوا لسنوات يسيطرون عليها «بوضع اليد».
نعم إن الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، يقوم الآن بالعديد من الإجراءات «الحاسمة» مع المتطرفين من أجل تغيير الخطاب الدينى، وهى خطوة أراها فى غاية الأهمية، وتستوجب الدعم والمساندة من جميع أجهزة الدولة المعنية بهذا الأمر، فالحرب ضد الإرهاب ليست مهمة وزارة الأوقاف وحسب، بل هى مسؤولية جماعية.
لذا أرى ضرورة أن نستثمر تلك الأجواء التى تسيطر علينا من نفحات رمضان، وأن نغير من سلوكياتنا، وأن نجعل شعار «الدين المعاملة» سلوكًا حقيقيًا، وأسلوب حياة، ونقطة انطلاق نحو مجتمع أفضل يسوده الحب والسلام بين الجميع، بعيدًا عن جميع مظاهر التخلف وجميع أشكال الإرهاب الذى لا دين له.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة