تتبعثر الأيام أمام أجسادنا وتتفتت وتلاحقها السنوات ونصحو لنرى الأحداث تتلاحق بسرعة معلنة صراعها الأبدى مع زمن لم يعد كما كان فى الماضى.. أعود بكيانى لأرى سنوات الصبا تنضح بالبراءة والأحلام التى لم يتحقق منها إلا القليل.. وتعود أيام العيد الجميلة التى كم كانت تأسرنى بأسرارها وبريقها وقدرتها ونورها الوضاء منذ صلاة الفجر حتى آخر دقائق فى الساعات الأخيرة من آخر يوم.. لا، لم يعد العيد كما كان فى سنوات النضارة والحب الذى كان يملأ الأرجاء ويحتوينا صغاراً وكباراً وينمو فى أجسادنا كأنه يزرع بداخلنا أشجار الأمل أصبحنا اليوم نفتقد هذا الحب الممتد، ونفاجأ كل يوم بحادثة إرهابية، وتنتشر الدماء وسط الأبرار والأحرار وكلما تخلصنا من ورطة نفاجأ بأخرى.. كأنهم يستنسخون الشيطان فى جرائمهم.. فلا هم مصريون ولا هم ينتمون لدين ولا مذهب ولا وطن لهم.. يجىء العيد ونحاول أن نفرح مع أبنائنا ونحاول أن نعيد السعادة فى عيون الأجيال.. فإذا بنا نجد الأوطان العربية حولنا تتمزق.. العراق كيف يحتفل بالعيد وسط هذه الصراعات الدموية التى تكاد تزلزل كيانه وتحوله إلى أنقاض، ويحاول العدو تقسيمه إلى دويلات على أساس مذهبى طائفى.. وهو ما نجح فيه منذ أحد عشر شهراً فى اليمن الذى تم تقسيمه إلى ست دويلات.. ويحاولون عبثاً فى ليبيا ويحاولون فى سوريا الشقيق.. أتأمل والدموع فى عيونى وأنا أشاهد الأخوة العرب لا يعرفون كيف يحتفلون بالعيد، ولا كيف يعيشون فرحة الأيام المباركة.. إنها مأزق كبير.. إنه الحزن المدوى والفزع الذى ينتظر أطفال غزة وكأنهم مرصودون بالرشاشات وجنازير الدبابات.. غزة تحترق وهم الضحية هؤلاء الأطفال والنساء والشعب الأعزل ووحدهم قادة حماس الذين يتقاسمون الأدوار الكاذبة وتدعمهم قطر نحو الفرقة.. والمزيد من التشرذم.. نحن فى مأزق عربى إسلامى كبير، والعيد حولنا يبحث عن فرح، يبحث عن أطفال جدد يولدون من جديد فى خريطة آمنة لا تعرف اليأس والمؤامرات والتحديات.. إنها المظالم التى ما كنا نعرفها فى سنوات مضت. سنوات خلت من الانقسام وكرست فقط للفضيلة وكانت سنوات بلا رواسب بلا ضغائن بلا انقسامات.. اليوم لم يعد هذا.. فقط إننا نرثى أحوال عروبتنا.. أنظر بعيداً وأقول لنفسى: ماذا ترى سيرث أبناؤنا من هذا الوضع العربى الممزق؟!.. لا أريد سوى سلام لوطنى.. لا أريد سوى التكاتف والود والشهامة المصرية التى هى السمة الأساسية فى شخصية المصرى الصامد، كم تمنيت أن يعود هذا العيد ومعه سلام دائم وخضرة هادئة وسماء صافية.. أكانت كل هذه أحلام أو أوهام أو سراب.. أو هى مجرد ألفاظ تدار وتطير فى الهواء مع دخان المدن، وكأن شيئاً لم يكن.. كم تمنيت أن يعود هذا العيد ومعه رياح التآلف بين المصريين جميعاً فتذوب كل الخلافات وتنزوى الأحقاد ويهرب التطرف إلى حيث نشأ يغيب عن سمائنا إلى الأبد وينتهى الإرهاب إلى غير رجعة وتجف الدماء.. لكن المؤامرات لا تزال تحاك والحوار لا يزال ملجوما مقيدا ملبدا خائفا عجوزا لا يتحرك، فحين نرنو إلى التقارب نرى أطراف الحوار تحترق والكلام يختنق والمسافات نحو النور تغترب.. والأمل هذا البعيد البعيد لا يدنو.. يا الله.. لماذا كل هذه الأسلاك الشائكة تحتل آفاق رؤيتنا.. متى يعود العيد ببهائه ورونقه وطفولته الخضراء.. متى يعود الزمن الدافئ.. متى يعود عيدنا مصرياً أصيلاً نلتم معه ونتحدى العقبات التى تعرقل خطواتنا والتى ترمينا دوماً إلى صحراء.. إننى أترقب.. وحتى ذلك اليوم أقول: عيد بأى حال عدت يا عيد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة