اعتدت منذ سنين كما كافة النقاد والصحفيين فى مصر أن أقدم رصداً نقدياً للأعمال الرمضانية بشكل أسبوعى على مدى الشهر الكريم, ولكنى آثرت هذا العام أن أصوم عن الكلام أو الكتابة على مدى الشهر الكريم، وأن أؤجل الأمر للأسبوع الأخير، بعد أن تكون الرؤية للأعمال الفنية التليفزيونية قد اكتملت ولا فرصة فيها لملحق أو حديث, وهو حق لصُناع الأعمال الذين يتهمون النقاد بالإسراع فى النقد والتحليل بعد الحلقات الأولى، ويقولون انتظروا فهناك المزيد، وهم على حق، فقد يكون المزيد قبحا أو جمالا وقيمة تستحق المتابعة, وكذلك إرجاء الكتابة حق للقارئ والمشاهد الذى يهتم بمتابعة بعض أو أغلب الأعمال بعد رمضان فيستطيع أن يتلمس من هنا وهناك وجهة نظر متكاملة فى الأعمال الرمضانية التى تستحق المتابعة أو تستحق الهجر.
الخطيئة الكبرى:
بُحّت الأصوات وتعبت الأقلام من المطالبة بعدم قصر الدراما المصرية والعربية على شهر رمضان، ولكن بلا طائل ولا مجيب، وكأن صناع الدراما مصرون على وئدها وقتلها أمام سطوة الإعلان, ويسيرون رويداً رويداً لكى يهلكوها تماماً أمام الدراما التركية والمكسيكية وغيرها, فهم يلعبون لمدة شهر واحد ويتركون الملعب لمدة 11 شهرا للدراما الوافدة, يتخمون المشاهدين فى شهر واحد بأعمال يستحق بعضها أن يكون درة عرض ومنافس للوافد, ولكنهم يرتضون عيشة العشوائية لمدة شهر، ثم ينامون بقية العام وينهضون قبل رمضان بشهور قليلة، وهكذا بلا رؤية لصناعة تتكلف المليارات وتأتى بمليارات، والأهم أنها ذات تأثير ثقافى وأخلاقى ونفسى، ولكن كما قلت بُحت الأصوات ولا فائدة، وتلك هى الخطيئة الكبرى التى سيدفعون جميعا ثمنها، وسندفع معهم كشعوب ثمنها من ثقافتنا وهويتنا.
الخطيئة التاريخية والدرامية:
تمثل "سرايا عابدين" الخطيئة الدرامية والتاريخية متكاملة الأركان، بل هو خطيئة اقتصادية كذلك, كنت من أكثر المتحمسين لهذا المشروع الفنى قبل رؤيته، فقد كنت أراه صورة معبرة ومطلوبة من التعاون الفنى العربى الذى نتمناه, فالكتابة كويتية والتمويل سعودى والإخراج والتاريخ مصرى، والتمثيل يضم كافة أقطار الوطن العربى من سوريا ومصر والمغرب ولبنان والأردن بمعنى أنه مشروع فنى يحمل اتحادا قويا, فإذا بالحلم فى اتحاد عربى يتحول إلى كابوس يجعلنى أقول ليتهم ما اتحدوا, فالمسلسل الذى يحمل عنوان حياة الخديوى إسماعيل لا علاقة له بالحد الأدنى من التاريخ العظيم لهذا الحاكم الذى يُعد واحداً من ثلاثة حكام نعيش على إنجازاتهم فى العصر الحديث محمد على وإسماعيل وعبد الناصر, فإذا بالرجل الذى حلم وسار فى أن يجعل مصر قوية حديثة بعلمها وحضارتها يحوله مسلسل إلى رجل لا يبرح غرف النوم، ويتنقل فى الليلة الواحدة بين النساء، ولم نره يقابل وزيرا لله يناقش معه أمور الدولة.
إن الدراما التاريخية لها أصول تعارف عليها العالم فمن حق الكاتب لها أن يضيف شخوصاً أو يخصم أحداثاً ولكن بقدر إلتزامه بالحد الأدنى من التاريخ ولكن كاتبة المسلسل هبة مشارى حمادة لم تقرأ على ما يبدو حتى كتاب تاريخ الإعدادية لتستطيع أن تخوض فى حياة رجل اجتمع عليه الاستعمار ليجهض تجربته فى بناء مصر لأنها كانت تجربة ناجحة, وتلك خطيئة تاريخية، أما الخطيئة الدرامية فهى لغة الحديث التى تدور فى المسلسل، فحين يقول أحد الشخصيات على آخر أنه غلس، فتلك مصيبة درامية؛ لأن لغة أهل القرن التاسع عشر لم تكن فيها غلس، ولم تكن خادمات القصور تتحدث بالعين والحاجب كما قدموا لنا الخادمات, فالمسلسل كاذب وجاهل بالتاريخ من أول الخديوى حتى أصغر خادم فى قصره, ويتحمل تلك الخطيئة الكاتبة والمخرج عمرو عرفة, أما جهة الإنتاج التى أنفقت ملايين الملايين على هذا العمل فإنهم ينطبق عليهم قول الله سبحانه وتعالى (...وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) وما هم كذلك, وعليه فلو كان التعاون العربى نتيجته سرايا عابدين بلاه التعاون وخلى كل واحد فى حاله.
الخطيئة الأخلاقية رغم الحسنة الدرامية:
عملان من أفضل الأعمال الدرامية التى تم تقديمها هذا الموسم هما "ابن حلال" و"المرافعة" كتابة وإخراجاً وأداءً، ولكنهما اقترفا خطيئة أخلاقية، ذلك أن الأول وهو "ابن حلال" وضع فى عصب قصته جريمة مشابهة لجريمة بشعة حدثت منذ أعوام، وتم تنفيذ حكم الإعدام فى مقترفها منذ أسابيع قليلة وهى جريمة قتل بنت المطربة ليلى غفران، والتى كانت تحوم حولها بعض الشائعات، فقام هذا المسلسل بتأكيد تلك الشائعات، فبنى جسراً من الغضب تجاه القضاء، ولا يكفى أن يخرج كاتبه أو بطله ليقول أن حكاية المسلسل ليست مأخوذة من تلك الجريمة التى مازالت حاضرة فى الأذهان, وبذلك تتحول الدراما لسكين يذبح القضاء ويصعب على الناس تصديق أى حقيقة أخرى, أما المرافعة المأخوذ عن حياة هشام طلعت مصطفى فهو أيضاً يحتوى على جريمة أخلاقية؛ لأن كاتبه هو تامر عبد المنعم زوج ابنة فريد الديب، محامى هشام طلعت، فهل هذا المسلسل يخرج ليبرئه أمام الرأى العام الذى يصدق الدراما ويكذب الواقع؟!
خطيئة الموهوب:
ناصر عبد الرحمن واحد من أفضل وأكثر كتّاب السيناريو الشبان موهبة ظهر منذ سنوات فقدم أفلاماً قيمة لذاكرة السينما والوطن, انتقل هذا العام للدراما التليفزيونية فقدم جبل الحلال، بطولة ممثل لا يختلف على موهبته أو قيمته اثنان ولكنه من خلال سيناريو مفتعل غير متماسك، أخطاؤه أكثر مما نستطيع إحصاءها، ورغم ذلك تظل طلة محمود عبد العزيز عزيزة علينا، وموهبة ناصر أكثر عزة علينا، لكى تضيع مع أبو هيبة فى جبل الحلال.
ومازال للحديث بقية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
السيدالشافعى مدرس ماث وخطيب مكافاة بالاوقاف
نقد الدراما نعم لكن رفض التعاون العربى لا