أحمد بان

الحاجة لتيار إسلامى جديد

السبت، 19 يوليو 2014 07:40 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يمارى أحد فى هذا البلد أنه ستبقى تيارات رئيسية أربعة تتقاسم التأثير فى العقول والانتماءات السياسية، منها بالطبع التيار الإسلامى، الذى تعرض لفشل سياسى وأخلاقى كبير، بفعل تجربة جناحيه السلفى والإخوانى فى الحكم والسياسة، بما يطرح سؤالا مهما وأساسيا عن المهمة الأصلية للتيار الإسلامى، هل هى الحكم وفرض نموذج قيمى وسياسى لم يكتمل لدى هذه الحركات التى ادعت أن لديها الحل، بينما عززت بأدائها وسلوكها السياسى والأخلاقى مشاكل مجتمعات لم تعد تحتمل المزيد من الإخفاق والمعاناة.

تقدمت التيارات الإسلامية فى مطلع القرن، من بوابتى العمل الاجتماعى والسياسى، فبينما فضلت حركات كالجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة التى بلغ عمرها الآن قرنا كاملا من الزمان، أن تعمل فى الفضاء الدعوى والاجتماعى تحت المظلة السلفية، دون أن تنخرط فى بناء تنظيم حركى يكون عبئا على حركتها، ويجعلها فى مرمى أى نظام حاكم قد يتوجس منها خيفة، وقلدتها فى ذلك جمعيات كأنصار السنة، لكن الأخيرة كادت تقع فى فخ السياسة، عندما قبل بعض شيوخها الانضمام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، هذا التحالف الذى كانت الجماعة تؤمل أن يكون مظلة كبيرة تنتظم الإسلاميين لحكم مصر الطويل، وبينما فضلت تلك الحركات العمل الدعوى والاجتماعى وقدمت فى ذلك خدمات ضخمة للمواطن، وساهمت إلى حد كبير فى تعويض القصور الذى تركته مؤسسات الدولة الغائبة، فى المجالات التى عملت فيها تلك الجماعات فى خدمات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.

وبالرغم من أن البعض يعتقد أن أداء هذه الجمعيات كان يصب فى النهاية فى صالح جماعة الإخوان، التى اختارت سلوك مسار العمل السياسى منذ عقود فى إطار طموحها السياسى، الذى تحطم فى النهاية فى تجربتهم الفاشلة فى حكم مصر، التى أساءت إساءة بالغة لسمعة التيار الإسلامى الذى حملت قيادته الجماعة لعقود طويلة، حاولت خلالها أن تؤكد على جدارتها فى قيادته، إلا أنه من نافلة القول أن نقول إنه بالرغم من التباين الشديد فى توجهات الإخوان وغيرها من المجموعات التى نشطت فى العمل الاجتماعى كالجمعية الشرعية، إلا أنه بالمنطق الاستراتيجى لم ينجح أى من التيارين فى بلوغ الأهداف، التى تتلخص فى استعادة مقومات نهضة الأمة على أساس مرتبط بهويتها الإسلامية، اختار الإخوان طريق التدافع السياسى ولم يتقنوا آلياته ولم يقدموا رجال دولة، كما فشل التيار الآخر بالمقابل فى أن ينتج رجال دعوة، وبالتالى فى طريق السياسة لم ينجحوا وفى طريق الدعوة أيضا لم يفلحوا.

فى تقديرى أن مهمة التيار الإسلامى ليست المنافسة على الحكم والمزاحمة فى ميادينه، بل إصلاح مادة الحكم التى يجسدها اللاعبون على مسرح السياسة، المهمة الرئيسية لحركات الإسلام ليست منافسة الأحزاب على مقاعد البرلمان ولا محاولة تشكيل الحكومة، بل الدعوة والتربية والتمكين للقيم الإسلامية الصحيحة، قيم التقدم الإنسانى التى لا تجد من يحرسها ويعزز تأثيرها فى النفوس، وأنتج غياب من يقومون بالدعوة لها والتبشير بها وحراستها كل هذه الكوارث التى تحيط بنا، للتيار الإسلامى ميدانان رئيسيان هما مجالا العطاء والثغرة التى لن يسدها أحد غيرهم، هما ما أشار الشاعر إليهما قائلا: (بالعلم والأخلاق يبنى الناس ملكهم***لم يبن ملك على جهل وإقلال)، ماذا لو استثمرت مجموعات الإسلام السياسى وغيرها فى هذين المجالين، ترقية العلوم ورفع مستواها والبحث عن كل جديد لتتحول البلاد إلى خلايا نحل، فى المعامل والمدرجات ودور العلم والبرامج العلمية التى ترفع مستوى الوعى القومى لدى الشعب، بديلا عن التنجيم والسحر والشعوذة والجهالة، وتتحول المساجد إلى دروس العلم الصحيح التى يقودها أزهر معافى فى بدنه عنده قوت يومه، ساعتها ستتغير أحوال هذا المجتمع بما يجعله قادرا على إفراز أفضل القيادات فى كل مجال، ليكون المواطن عونا لكل خطة إصلاح وليس معوقا لها كما جرى ويجرى.

نحن بحاجة إلى تيار إسلامى جديد يفهم دوره الأصلى كحركة إحياء تستعيد دور الإسلام فى إصلاح النفوس، لا نريد هدم بنيان الرب فى صراع سياسى لم نجن منه عبر تاريخنا سوى الموت والخراب، بل نريد تعمير بنيان الرب بالعلم والخلق، العلم الذى يفرق جيدا بين الفعل القاصر الذى يقف أثره عند صاحبه، والفعل المتعدى الذى يتسع أثره على حياة الفرد والمجتمع، العلم الذى يأخذ بيد الناس إلى السعادة والسلام والرفاه، الجهاد شرعه الله فى مواجهة الأعداء وميادينه واسعة وأولها إعمار الأرض والأخذ بأسباب القوة.

لن ندخل جنة الله ما لم نقم بواجبات الاستخلاف فى هذه الأرض، ونحيلها جنة على الأرض نستحق بعدها دخول جنة الله فى السماء، نريد تيارا إسلاميا راشدا قادرا على تصحيح أخطائه ومراجعتها، وتصويبها واكتشاف مهمته الحقيقية والانشغال بها وعدم تبديد طاقات الأمة فى ميدان الصراع السياسى، قبل تغيير قواعد اللعبة وجعلها أكثر أخلاقية، ولن يحدث ذلك قبل عودة هذا التيار لمهمته الأصلية فى رعاية العلم والأخلاق، أما إذا بقيت القراءة المتعسفة الحمقاء للتاريخ القريب والبعيد، فلا أظن أنه ستبقى تسمية تلك التيارات بالإسلامية تسمية صحيحة، ونبقى ساعتها بحاجة لتيار إسلامى جديد.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة