انتهى المساء.. ودخل الاثنان غرفة النوم.. فى صمت قام كل منهما بتغيير ملابسه.
كانا يتحركان مثل دميتين آليتين، لم ينظر أى منهما للآخر، وكأنه ليس موجودًا فى المكان.
بعد أن استعدا للنوم، وانطفأ مصباح حجرة النوم، وسادها ظلام مقيم، وصعد الاثنان إلى فراشهما..
قال لها بصوت فاتر: تصبحين على خير، ردت عليه بصوت بارد: وأنت من أهل الخير!
وامتلأت الحجرة فى الحال بالصمت، حتى أنفاسهما لم تكن مسموعة، وكأنهما سقطا فى نوم عميق فى نفس اللحظة التى وضع كل منهما فيها رأسه على الوسادة.. هى.. كانت نائمة فى الطرف الأيمن للفراش، وهو.. كان راقدًا فى مكانه الدائم بعيدًا بعيدًا فى أقصى الطرف الأيسر للفراش!
ولم يكن نائمًا، بل كان يحدق فى سكون إلى الظلام الذى يحيط بهما!
هى كانت تحدث نفسها فى ذهول: أنا لا أصدق أن هذا الرجل الذى ينام بجوارى، ولا أطيق رائحته، ولا حتى صوت وسخونة أنفاسه وشخيره، هو نفسه الذى كان فى يوم من الأيام فتى أحلامها، وأنها فتحت له أبواب قلبها وحده دون كل الرجال، الشاب الوسيم خفيف الظل المحب المشتاق الرومانسى الحالم، الزوج المخلص المتفانى، فكيف انقلب حاله من النقيض إلى النقيض بعد مرور مجرد سنوات على الزواج.
واستمرت تحدث نفسها: كيف خلع القناع فجأة وظهر على حقيقته البشعة؟ وكيف ظهر أنه إنسان أنانى لا يهتم إلا بنفسه، وأنه فى الحقيقة لا يحبها ولا يحترمها، إنما هو كاذب طوال الوقت، وأنه مثل كل الرجال «عينيه زائغة»، وهل تنسى عندما اكتشفت علاقته بسكرتيرته الحمقاء؟ هل تنسى أنه خائن، وأنه لا أمان له، وأن «ذيل الكلب لن ينعدل أبدًا»؟!
وعادت لتحدث نفسها فى مرارة: وهل كتب الله علىّ أعيش هذه الحياة الكئيبة مع هذا المخلوق البشع؟ وإلى متى؟ متى يارب يصبح عليها الصبح فتجده قد فارق الحياة ومات، لتعود إليها حياتها وحريتها.. ياريت يارب!
أما هو فقد كان حديث آخر يدور فى نفسه.. كان يقول لنفسه: إنها مقلب العمر الذى شربه دون أن يشعر، إنها المرأة الوحيدة التى ضحكت علىّ، وتمكنت من الإيقاع بى فى مصيدة الزواج المؤسفة هذه.. عرفت كيف تمثل دور الفتاة الرقيقة البريئة كأنها ملاك، عرفت كيف تستخدم كل مهارات الأنثى وهى تتعامل معه، كانت تختار كلماتها بعناية، وتعرف كيف تستخدم نبرات صوتها حسب كل مناسبة.. خدعته وأقنعته أنها تحبه فقط لشخصه، بينما كانت تخطط وتدبر للزواج منه، كى يكون لها معبر الأمان وشاطئ الستر.. يا بنت الإيه ده إنتى أكبر ممثلة فى الدنيا!
واستمر يقول لنفسه فى غضب: أفهمتنى أنها تختلف عن كل النساء، وأنها إنسانة متفاهمة متعاطفة، فإذا بها بعد الزواج تتحول من أنثى رقيقة إلى «دكر» حقيقى.
شعر منكوش دائمًا فى البيت، ملابسها مبلولة ورائحة البصل والثوم تطوف حولها كظلها، صوتها الرقيق أصبح صوت «معلم فى المذبح». أصبحت تتشاجر معه بسبب وبدون سبب وكأنها رجل، رجل غبى جاهل فى فستان امرأة، وكيف أحالت حياته إلى هذا الجحيم بأنانيتها وجهلها وعنادها حتى أصبحت عنصر «النكد» الوحيد والأساسى فى حياته التى لم يعد لها معنى بوجود هذه الزوجة النكدية الأنانية، فهل يرضى عنه ربه ويأخذها ليريحه منها ومن نكدها؟!
ونامت.. ونام.. وطلع الصباح.. واستيقظ كل منهما فى نفس اللحظة تقريبًا.. فقال لها بصوت فاتر: صباح الخير.. يا حبيبتى
- ردت عليه بصوت بارد: صباح الخير.. يا حبيبى!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة