«الذهب أينما يكون فهو ذهب وقيمته تظل كما هى حتى لو كان وسط التراب» هكذا حال الأعمال الدرامية التى اكتظت بها شاشات التليفزيون فى رمضان العام الحالى، فعلى الرغم من كل هذا الكم الهائل من الأعمال الدرامية والبرامج الترفيهية التى يستقبلها المشاهد على مدار اليوم إلا أننى لم أجد صعوبة فى أن أضع يدى على الأعمال الجيدة والنجوم الأكثر تألقاً خلال النصف الأول من رمضان، كما أننى وبكل سهولة تمكنت من تحديد نقاط الضعف والقوة فى هذه الأعمال الدرامية وكان لى عدة ملاحظات على أدائهم.
وأولى ملاحظاتى على تلك الأعمال تتمثل فى كثرة الألفاظ الخارجة و«المسفة» التى امتلأت بها بعض المسلسلات التى للأسف الشديد تدخل البيوت ويتم عرضها أمام أفراد الأسرة وبالطبع فإنها بهذا «الانفلات الأخلاقى» تتسبب فى خدش الحياء العام لأنها وإن كانت ليست جديدة فى المسلسلات إلا أنها لم تكن بهذا الكم الهائل من التجاوز من قبل.. وعلى الرغم من لجوء بعض الفضائيات إلى التنويه قبل عرض مسلسل «السبع وصايا» بأنها غير مسؤولة عن كل هذا الكم من الألفاظ الخارجة التى يتفوه بها أبطال المسلسل إلا أننى أرى أن أى قناة تسمح بعرض هذه النوعية من الأعمال المليئة بالألفاظ الخارجة فهى تتحمل نفس المسؤولية وتصبح شريكاً فى هذه «الفضيحة» التى أراها جريمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ولأننا اعتدنا على أن رمضان لم يكتمل دراميا إلا بالفوازير، فقد استوقفنى غياب الفوازير هذا العام واختفاؤها تماماً عن خريطة الفنون الرمضانية، وكأن أيام رمضان التى عشناها من قبل، مثلها مثل كل شىء جميل قد ذهبت وولت وأخذت معها ملامح زمن الفن الجميل، نعم لقد كانت الفوازير من قبل تمثل مصدر إمتاع للكبار والصغار على حد سواء، فلن ننسى فوازير نيللى وشريهان وسمير غانم وفوازير عمو فؤاد التى كانت تمتع الكبار قبل الصغار على الرغم من أنها كانت موجهة إلى الأطفال والتى كانت تمثل جرعة فنية كافية للإمتاع دون اللجوء إلى مشاهدة أى مسلسلات أو برامج أخرى آنذاك.
كما أننى توقفت أيضاً أمام مسألة أخرى فى دراما رمضان وهى غياب الدراما الدينية والتاريخية التى هى أساس دراما رمضان فكيف يأتى الشهر الكريم ولم نر مسلسلاً دينياً كما كان يحدث من قبل، أليست هذه مناسبة لكى يستقبل المشاهد جرعة من الدراما الدينية يستزيد منها ويتعرف من خلالها على جانب من الجوانب المضيئة فى الإسلام، سواء عن طريق تقديم ملمح من ملامح السيرة النبوية العطرة أو تقديم شخصية دينينة تكون مثلاً للأجيال الشابة ليقتدوا بها فى التعرف على الدين الإسلامى السمح الذى نحن أجوح ما نكون إليه الآن.
أما بالنسبة للدراما التاريخية فقد جاء مسلسل «صديق العمر» ليشوه مرحلة من أدق مراحل مصر فى العصر الحديث فلم نشاهد سوى الصراخ والنحيب الذى يكرره يومياً باسم سمرة بصوته العالى أما جمال عبدالناصر فقد أفسد علينا الاستمتاع بشخصيته تلك «اللكنة السورية» التى ظهر عليها كلام عبدالناصر ليفسد الصورة الجميلة التى فى أذهاننا عن زعيم خالد فى حجم ومكانة عبدالناصر فى قلوب المصريين البسطاء.
كما شهدت الدراما الرمضانية هذا العام بدء انهيار نجوم كانوا إلى وقت قريب ملء السمع والأبصار فحينما ننظر إلى مسلسل مثل «سراى عابدين» نجده باهتاً ومثيراً للدهشة فهو لم يقدم للمشاهدين سوى معلومة واحدة حقيقية وهى «خفوت» نجومية يسرا التى كانت من قبل نجمة لها مكانتها بين قلوب المشاهدين فيسرا نجمة من نجمات مصر اللاتى يتمتعن بجماهيرية كبيرة تقديراً لمشوارها الطويل أمام الكاميرا فهى ورغم صعف مستوى «سراى عابدين» إلا أنها فنانة من الطراز الأول، كما أن مسلسل مثل «دهشة» للنجم يحيى الفخرانى لم يدهش أحداً إلا أنه ترك دهشة كبيرة لدى المشاهدين، تلك الدهشة تتعلق بنجومية فنان كبير فى قامة يحيى الفخرانى الذى تاه وسط «زحمة» ما يتم عرضه من مسلسلات.. أما النجم محمود عبدالعزيز فقد ظل محتفظاً بنجوميته على الرغم من أن مسلسله لم يحظَ بنسبة عالية من المشاهدة كما كان متوقعاً له وسط هذا الكم الهائل من الأعمال الدرامية، أما النجم أحمد عز الذى قدم عملاً متميزاً فلم يحظَ بالمشاهدة الكافية للحكم على هذا المسلسل الذى أراه من أهم وأبرز الأعمال ولكنه تعرض للظلم من حيث العرض فى «زحمة» أعمال رمضان.
وحينما نتحدث عن الأعمال التى تحظى بأكبر نسبة مشاهدة فإننى أتوقف كثيراً أمام مسلسل النجم عادل إمام «صاحب السعادة» فقد استطاع أن يحتل مكانة متميزة بين الأعمال التى تحظى بأعلى نسبة مشاهدة وهو أمر ليس بجديد على نجم كبير مثل عادل إمام فهو وإن كان يكرر نفسه بنفس الأداء وبنفس «الحركة» وتعبيرات الوجه إلا أننا فى نهاية الأمر نكون أمام أداء متميز بنكهة كوميديا عادل إمام.
أما مسلسل «السيدة الأولى» فقد احتل مكان الصدارة أيضاً لعدة أسباب منها أن القصة لم تقدم من قبل حيث تتناول موضوعاً مهما وجاذبا للكبار والصغار على حد سواء، كما أن النجمة غادة عبدالرازق قد تفوقت على نفسها فى هذا المسلسل وكأنها أرادت أن تستكمل نجاحاتها السابقة التى حققتها من قبل فى «حكاية حياة» و«مع سبق الإصرار».. والحق يقال فإن غادة عبدالرازق وصلت إلى مستوى رفيع ودرجة عالية من النجومية لم يعد أمامها خيار آخر غير الحفاظ عليه وسط هذا الكم الهائل من المنافسة الشرسة التى تشهدها الساحة الفنية الآن خاصة فى ظل ما يتم رصده من ميزانيات ضخمة فى إنتاج الأعمال الدرامية. ولفت نظرى فى مسلسل «السيدة الأولى» أنه كانت بمثابة فاتحة خير على غادة عبدالرازق لتصبح وبحق «سيدة الدراما الأولى» بعد أن كنت قد أطلقت عليها من قبل «فينوس الدراما».. وبالطبع فإن نجاح غادة عبدالرازق بهذا الشكل اللافت للنظر لم يكن يتحقق بدون توافر عناصر النجاح التى تتمثل فى وجود مخرج متميز هو محمد بكير الذى استطاع أن يحجز لنفسه مكاناً متميزا بين المخرجين الصاعدين إلى جانب مدير الإضاءة الأكثر من رائع «تيمور تيمور» الذى يعد مسلسل «السيدة الأولى» بمثابة لحظة ميلاد حقيقية له وسطوع اسمه بهذا الشكل ليصبح أحد أهم وأفضل مديرى التصوير فى الدراما الرمضانية لهذا العام.
ولأن رمضان كان من أهم شهور العام التى يتم خلالها تقديم وجوه جديدة وبداية لبزوغ نجومية عدد من الفنانين والفنانات فقد شهدت رداما رمضان الحالى تألقاً واضحا من عدد ليس قليل من الفنانين الشباب فها هى رانيا يوسف تتألق فى «السبع وصايا» وتضع قدميها على أعتاب نجومية حقيقية فى المستقبل القريب نفس الشىء ينطبق على نيللى كريم التى أراها نجمة صاعدة بكل المقاييس فى مسلسل «سجن النساء» فقد أمسكت نيللى كريم بخيوط الصنعة وتمكنت بالفعل من تجسيد الشخصية بإحساس عالٍ وبقدرة فائقة على الأداء من حيث ملامح الوجه والتعبير بنبرات الصوت الذى يتناسب مع كل مشهد.. أما بالنسبة للنجوم الشباب فقد استطاع الفنان طارق لطفى أن يحتل مكاناً مرموقاً بين نظرائه من الفنانين فقد ظهر طارق لطفى بمواصفات النجم الحقيقى الذى أعتقد أننا سنراه فى أعمال قادمة وهو يسير بخوات واثقة نحو النجومية والتألق ليصل إلى مصاف نجوم الصف الأول طالما ظل سائراً على هذا النحو من الأداء الجيد والقدرة على تجسيد الأدوار بحرفة عالية.. أما النجم ممدوح عبدالعليم فقد كان دوره فى مسلسل «السيدة الأولى» بمثابة تأكيد لنجوميته وتوثيق لحالة من الأداء الرائع لفنان يعرف جيداً كيف يجسد الشخصية التى يقدمها بإحساس صادق.
ولأننا مصابون بآفة خطيرة وهى «التقليد الأعمى» فقد لفت نظرى فى الأعمال الرمضانية هذا العام ظهور أكثر من برنامج ترفيهى بمثابة نسخة طبق الأصل من برامج «رامز جلال الذى استطاع أن يحقق لنفسه شهرة عالية فى هذا المجال بجرأته غير المعهودة وبأفكاره المتجددة كل عام التى جعلته فى مقدمة الأعمال الأكثر مشاهدة بين برامج رمضان.. وكما قلت إنه كلما نجح عمل نجد البعض يجرى وراءه وتقليده جرياً وراء تحقيق نفس الشهرة التى ربما لا يصلها، وهو ما حدث بالفعل مع برنامج رامز جلال حيث ظهر هذا العام برنامج «فؤش فى المعسكر» للمطرب محمد فؤاد، ولكنه ومع الاحترام الكامل للفنان محمد فؤاد إلا أنه جاء باهتاً وخالياً من أى إبداع فقد اعتمد على نفس أسلوب رامز فى تقديم الرنامج ولكنه فشل فيما نجح فيه رامز فالقبول والتفاف الجمهور حول الفنان هو نعمة يهبها له الخالق سبحانه وتعالى وهذا بالطبع لم يقلل من نجومية محمد فؤاد كمطرب له مكانته الكبيرة وجمهوره الذى يحبه كمطرب محبوب.
أما ما استفزنى كثيراً فى دراما رمضان هذا العام فهو «الاستخفاف» بعقول المشاهدين فى أكثر من عمل، فإن لم يكن الأمر استخفافاً بالعقول فماذا نسمى ما يقدمه محمد سعد فى مسلسل «فيفا أطاطا» فالموضوعات التى يقدمها غير منطقية والتمثيل المعاد والمكرر وهو يطل علينا بنفس الأداء وبنفس التعبيرات وبنفس الحركات المستفزة.. أما النجم أحمد مكى الذى امتعنا كثيراً من قبل فى مسلسله الناجح «الكبير» فقد جاءت حلقاته هذا العام غير منطقية ومليئة بالاستخفاف بالعقول وعلى وجه الخصوص فى تقديمه لشخصية «حزلقوم» التى جاءت لتسحب من رصيد أحمد مكى فى قلوب جمهوره الكبير الذى أحبه والتف حوله حينما قدم من قبل شخصية «الكبير» على مدى عدة أعوام متتالية.
وعلى ذكر كلمة «الاستخفاف بالعقول» فقد لاحظت فى أعمال رمضان الحالى انتشار ظاهرة البرامج المستفزة والتى تستخف بالعقول وتحاول «خطف» المشاهدين بأى ثمن وبأى وسيلة ومنها على سبيل المثال برنامج «الزفة» وبرنامج «فلفل شطة».. كلها برامج مليئة بـ «المقالب» والتصرفات «الطائشة» التى قد يضحك عليها المشاهد للوهلة الأولى ولكنه لم يستمر طويلاً أمامها لأنه ببساطة شديدة يكتشف أنهم يضحكون عليه وليس لإضحاكه.
وهناك عتاب أردت أن أوجهه إلى إعلامية عزيزة أقدرها وأحترم ما تقدمه من برامج اجتماعية ناجحة وهى الإعلامية ريهام سعيد التى استطاعت أن تحيط نفسها بهذا الكم الهائل من حب الجماهير لها حينما تخصصت فى تقديم نوعية غير مسبوقة من البرامج الإنسانية، فكيف تسمح لنفسها بأن تقع فى فخ برامج رمضان «المستفزة» وكيف لنجمة فى مكانتها تغامر بنجوميتها بالدخول فى هذا السباق غير المضمون، فريهام سعيد لم تعد مجرد إعلامية وحسب بل هى فنانة متمكنة دخلت مجال التمثيل وأثبتت أنها بحق ممثلة من الطراز الأول كما أنها لها جمهورها العريض الذى ينتظر برنامجها الإنسانى «صبايا الخير» على أحر من الجمر وهو ما لمسته بنفسى من حب الجماهير لها فى أكثر من مكان وهى تقوم بتصوير برنامجها الإنسانى.
قد أبدو قاسيا فى انتقادى للبعض وقد يبدو كلامى فيه مجاملة للبعض ولكن والحق يقال فإننى لم أقصد الإساءة لأحد فما دفعنى إلى الكتابة بهذا الشكل هو البحث عن الأفضل دائماً، فهؤلاء الذين تناولتهم فى المقال نجوم كبار اعتز بهم وأقدر لهم نجوميتهم.. ولكن «الشفافية» التى حرصت عليها وأنا أتابع ما يقدم من أعمال رمضانية دفتعنى إلى الكتابة بأمانة وأجبرتنى لأن أسير على هذا النحو من المصداقية أملاً فى الوصول إلى الأفضل فى أعمال قادمة بإذن الله.
وكل عام وأنتم ومصرنا الحبيبة بكل خير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة