يوسف الحسينى

فى اللغة والسياسة

السبت، 07 يونيو 2014 06:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شديد هو الفارق المتسع بين اللغة التى يجب استخدامها، وبين اللغة المستخدمة حاليا بين من يظنون أنهم محترفو العمل السياسى، وفى واقع الأمر لا يكاد يصل أغلبهم إلى صفوف الهواة، بل إن هذا الأغلب يكاد يقترب من الادعاء، سواء كان الادعاء المعرفى أو الادعاء السياسى أو حتى الادعاء المهنى، هذا لا يمنع وجود استثناءات شديدة الندرة، يستطيع الكاتب أن يقف لهم احتراما، إما لقدراتهم أو لبحثهم المضنى عن الحقيقة، حتى لو أختلف مع بعضهم أو حتى أكثرهم، فعندما تعيش فى وطن لا تستطيع أن تحصى فيه أكثر من عشرة كتاب وعشرين شابا، ومثلهم من صفوف من تخطى مرحلة الشباب، فعليك أن تعلم عزيزى القارئ أننا نمر بأزمة معرفية حقيقية، وكارثة فى نظام التعليم. فعند تأمل أفكار كثير من المتحدثين وكتاب الأعمدة فى بلادنا لا تكاد إلا أن تدمع عيناك من فرط بلاهة المحتوى، أو أن تمزق الجريدة، أو تشاهد فيلما صينيا بدلا من هراء تشاهده دون أى ذنب مقترف، إلا أن مقال السفير عز الدين شكرى فشير بعنوان «مقدمة فى هزيمة الاستبداد» والمنشور فى جريدة المصرى اليوم بتاريخ 24 مايو 2014، وبالرغم من اختلافى الشديد مع وجهات نظر كاتبه خلال السنوات الثلاث السابقة، ورغم أن «فشير» قد بنى جُل مقاله على الاستباق لا الاستشراف المرصوص على وقائع لا تقبل الجدل، فاعتبر أن المرحلة القادمة تحت إدارة «السيسى» ستكون مرحلة استبداد وديكتاتورية، إلا أن تصوراته فيما وصفه بقواعد التحرر الأربعين، والتى ذكر منها 10 فقط، نظرا لضيق مساحة المقال، كما أشار، قد لاقت من الكاتب ابتسامة الاحترام، مهما بلغ الاختلاف ففيها يلخص «فشير» قواعد اللعب السياسى بعيدا عن الصدام المباشر مع النظام، طالما ترى أنه نظام وطنى، حتى وإن بلغ خلافك معه مراحل الذروة، فتحدث بلورة الأفكار وإنشاء التنظيمات ومراكز البحث ووسائل الإقناع، بل والوصول إلى الحكم.
وعلى نفس الصعيد وإن كان بلغة أخرى تحمل بساطة وعفوية الصديق العزيز الكاتب «أكرم القصاص» الذى أفرد مقاله «الطريق إلى مزاج الشعب»، المنشور بجريدة «اليوم السابع» بتاريخ 5 يونيو 2014، حيث يوجه «القصاص» حديثه إلى المنفصلين عن الواقع المصرى، أو المزاج العام للمصريين، حتى وإن صدقت النوايا، أو حسنت الأهداف، فلكل جمهور أو شعب مزاجه الخاص، وطريقة الخطاب التى يستطيع تقبلها، حتى لا ينشأ بين الشخصية العامة والجماهير حاجز يبلغ من سماكته ما يدفع إلى أن كلا منهما يعيش واقعا مختلفا، وفى حقيقة القول هذه هى أساس مشكلة أغلب الرفاق، وعدم قدرتهم على معرفة اللغة السليمة التى يجب استخدامها من الجماهير فى مصر، مع الوضع فى الاعتبار حجم المتغيرات التى تطرأ بمنتهى السرعة على الواقع المصرى، مما يسهم فى تقلب المزاج العام، وهذا ما يجعل المقبول سابقا مرفوضا حاليا، ولعل المفكر اليسارى الشهير «جوستاڤ لوبون» قد شرح هذه الجدلية فى كتابه «سيكولوچيا الجماهير»، والذى نشرت طبعته الأولى عام 1895، حيث لخص «لوبون» علاقة الجماهير بالقائد، وعلاقة الجماهير بمن هم مخالفين لهذا القائد، حيث يرى المؤلّف أن الجماهير ترفض الأفكار أو تقبلها كلاً واحداً، من دون أن تذهب لمناقشتها، وما يقوله لها الزعماء يغزو عقلها سريعاً، فتتّجه إلى أن تحوّله حركة وعملاً، وما يوحى به إليها ترفعه إلى مصاف المثال ثم تندفع به، فى صورة إرادية، إلى التضحية بالنفس. إنها لا تعرف غير الشعور الحاد، فتعاطفها لا يلبث أن يصير هياما، ولا تكاد تنفر من أمر ما حتى تسارع إلى كرهه، وحتى لو كانت الجماهير علمانية، تبقى لديها ردود فعل أشبه بردود الفعل الدينية، تفضى بها إلى تقديس الزعيم، وإلى الإذعان لمشيئته، فيصبح كلامه أشبه بعقيدة لا تناقش، وتنشأ الرغبة إلى تعميم هذه العقيدة. أما الذين لا يشاطرون الجماهير إعجابها بكلام الزعيم فيصبحون هم الأعداء، لا جماهير من دون قائد كما لا قائد من دون جماهير، وهذه هى أصل المشكلة لدى الموصوفين بقادة العمل السياسى/العام، فأغلبهم الأعم بلا جماهير، أما الجماهير فقد بحثت عن قائدها الذى يحسن استخدام اللغة، بعيدا عن اللغو الدائر، دونما اقتراب يذكر مما ينتظر الناس سماعه.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة