داعش هى حديث العالم كله الآن.. الجميع يتحدث عن سيطرتها السريعة على مناطق السنة فى العراق وزحفها على العاصمة.. وهل هذه القوة المفاجئة هى من صنع داعش نفسها أم نتيجة تحالفها مع قوى سنية معارضة لحكم المالكى.. وأين الجيش العراقى فى خضم هذه الأحداث.. وكيف نشأ تنظيم داعش؟.. وما هى روافده الفكرية؟ ومن هم قادته؟.. وهل يستطيع أن يقيم دولة؟.. وإذا لم ينجح فى إقامة دولة فى العراق فما هو مصيره؟!.. هذه الأسئلة وغيرها سنجيب عليها فى هذه الدراسة المختصرة جدا:
أولا ما هو تنظيم داعش؟:
داعش هى الاختصار الشائع لعبارة " الدولة الإسلامية فى العراق والشام".. وهو الوريث الشرعى والوحيد لتنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين "أى العراق" والذى أسسه الأردنى أبو مصعب الزرقاوى.. والذى هرب من الأردن بعد الحكم عليه بالإعدام لاتهامه بالضلوع فى تفجير أحد فنادق عمان.. وذهب إلى أفغانستان للجهاد ضد السوفييت ولكنه وجدهم قد خرجوا منها فقابل أسامة بن لادن وبايعه.
وكان الزرقاوى قد أسمى تنظيمه "التوحيد والجهاد" قبل مبايعة بن لادن ثم أسماه "قاعدة الجهاد فى بلاد الرافدين".. وعموما ً كل مسميات التنظيمات باسم التوحيد والجهاد عادة ما تكون تابعة فكريا ً أو تنظيميا ً أو كليهما معا ً للقاعدة.
ويؤسفنى أن كلمة التوحيد إذا أطلقتها التنظيمات الإسلامية الحديثة على نفسها فهى تعنى التكفير.. أما كلمة الجهاد فهى تعنى قتل وجهاد المسلمين فى الداخل وهم الشرطة والجيش وما إلى ذلك.. وهذا من العجب العجاب فى التسميات.. وذلك مثل تنظيم التوحيد والجهاد فى سيناء وهو الذى قام بتفجيرات طابا ودهب وشرم الشيخ وغيرها.
والخلاصة أن الزرقاوى قتلته الطائرات الأمريكية انتقاما ً لذبحه بيده أحد الرهائن الأمريكيين.. ونشر هذه الصورة على مواقع النت.. وهذا يبين موقف الزرقاوى من المدنيين عامة.. وكان الزرقاوى أكثر تشددا ً فى التكفير والقتل من الآباء المؤسسين لفكر القاعدة الأصلى.
وبعد مقتل الزرقاوى الأردنى تم انتخاب أبو حمزة المهاجر وهو مصرى من سوهاج زعيما ً للتنظيم.. ثم تحول اسم التنظيم إلى "دولة العراق الإسلامية" وقاده "أبو عمر البغدادى".
وفى 19/4 /2010 قامت القوات الأمريكية والعراقية بقتل القائدين وعرض جثتهما على الإعلام.. ليتولى القيادة بعدهما أبو بكر البغدادى العراقى الجنسية.
ثانيا ً: لماذا تمددت داعش سريعا ؟:
السر الأساسى فى قوة وتمدد نفوذ داعش وسيطرتها على مناطق واسعة يعود إلى الأسباب الآتية:
1- قيام الثورة السورية وتدفق آلاف المقاتلين الأجانب إلى سوريا ثم دخولهم العراق.. ومع تدفق هذه الآلاف انضم الكثير منهم إلى جبهة العراق مع سوريا.. أو بالتبادل بينهما.. وخاصة بعد توحد الفصيلين.
2- الاتحاد بين دولة العراق الإسلامية وجبهة النصرة فى سوريا.. وانفتاح الحدود بين البلدين.. وتدفق السلاح والعتاد والأموال من الجبهة السورية الغنية بكل شيء إلى جبهة العراق.
3- الدعم الإقليمى العربى والغربى للثورة السورية وللمقاتلين فى الجماعات التى ناهضت بشار صب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عند داعش وخاصة بعد توحد الفصيلين وانفتاح الحدود بينهما.
4- اعتبرت كل هذه الفصائل أن عدوها فى سوريا والعراق هو عدو واحد وهو الشيعة.. وأن جيش العراق وسوريا هو جيش طائفى.. وهم يعتبرون الشيعة جميعا ً كفار بلا استثناء ويعتبرون قتالهم أولى من قتال الجيش الإسرائيلى أو على الأقل مقدمة ضرورية له.
5- الإقصاء الشديد للسنة الذى مارسه المالكى وحكومته.. وحكمه للعراق فترتين بطريقة طائفية إقصائية محضة.. جعلت كل القبائل السنية فى مناطق السنة ترفض مقاومة داعش.. وتتمنى من داخلها أن تقع الحرب بين داعش والمالكى وزمرته فتتخلص العراق من الطرفين المتطرفين.
6- يأس الكتائب السنية وقادتها فى الجيش العراقى من المالكى وحكومته وشعورهم بـأن الجيش العراقى هو جيش طائفى لا يمثلهم مما جعل كل الضباط والجنود السنة يتركون أسلحتهم لداعش.. إن لم ينضم بعضهم إليها.. ليس حبا ً فى داعش.. ولكن نكاية فى ظلم المالكى وطائفيته البغيضة.
ثالثا ً: ما هو فكر داعش؟:
فكر داعش الأصلى هو فكر التكفير والتفجير الذى نشأت عليه القاعدة فى بلاد الرافدين.. وهو يكفر الجيوش العربية كلها والحكام العرب والأحزاب السياسية.. ويكفر الشيعة جميعا.. ولا يؤمن إلا بالقتال كوسيلة لإقامة الدين والدولة.
وتاريخ داعش لا يعرف للعفو طريقا ولا للرحمة فى الحروب سبيلا.. وهم يقتلون المدنيين.. وقديما اعترض بعض أساتذة الزرقاوى عليه لإصراره على قتل المدنيين وخاصة النساء مع أن حرمة قتل المدنيين من غير المسلمين فى الحروب مما لم يختلف عليه أحد من الفقهاء قديما أو حديثا ً وعليه إجماع.. والغريب أن الزرقاوى ذبح الرهينة المدنى الأمريكى بنفسه مفتخرا ً بذلك.
والغريب أن داعش تقتل الأسرى حتى من المسلمين السنة أو الشيعة.. وهى التى قتلت أحد زعماء جبهة النصرة بعد خلاف بينهما فذبحته ذبح النعاج وصورته ونشرت هذه الصورة البغيضة على النت.
وأنا دائما استغرب من أين جاءت داعش والقاعدة بفكرة قتل الأسرى.. فالرسول صلى الله عليه وسلم عفا عن كل أسرى غزوة بدر من المشركين.. رغم أن مشركى قريش عذبوهم واضطهدوهم وأخرجوهم من بيوتهم قبل ذلك.. واكتفى بأن يعلم كل أسير عشرة من المسلمين القراءة والكتابة.
رابعا ً: ما هى أماكن تمركز داعش؟
لن نفهم أماكن تمركز داعش سواء ً فى العراق أو فى سوريا إلا إذا أدركنا حقيقة هامة جدا.. وهى أن الحروب الآن فى العراق وسوريا هى حروب طائفية مذهبية فى الأصل والأساس.. حتى سوريا التى بدأت كثورة على الحاكم الظالم بشار الأسد تحولت بمكر الشياطين إلى حرب مذهبية سنية شيعية تستهدف تقسيم هذه المنطقة إلى مناطق سنية وشيعية بينهما حروب دينية متواصلة لا تهدأ.
وفكر التكفير يكفر كل الشيعة ويستبيح قتلهم.. وفكر معظم غلاة الشيعة وميشلياتهم العلنية والسرية تكفر السنة وتستبيح قتلهم بالمذهب وكذلك بالاسم كما حدث فى العراق من قبل، إذا فهمت ذلك عرفت مناطق تمركز داعش فى العراق وسوريا وهى كالتالى:
1- فى العراق:
تسيطر داعش على المناطق السنية فى العراق والتى كانت دائما ً تناصر صدام.. وهى المثلث السنى وهى المحافظات السنية الستة.
2- فى سوريا توجد جبهة النصرة التابعة لداعش فى مناطق السنة أيضا، وبينها وبين المثلث السنى حدود.. وهى مناطق فى حلب وحمص وحماة وأدلب والحسكة.. ومناطق فى الرقة واللاذقية ودمشق.. على اختلاف فى درجة النفوذ والتواجد.
خامسا ً: التسليح والتدريب والكفاءة العسكرية:
تعتبر داعش أقوى تنظيمات القاعدة تسليحا ً وتدريبا ً وكفاءة عسكرية.. فقد تلقى أعضاء التنظيم تدريبات راقية على أعلى مستوى وخاصة بعد الانفتاح الغربى والعربى والعالمى على دعم الثورة السورية لإزاحة بشار وكل ذلك صب فى النهاية لمصلحة داعش.. وخاصة مع تدفق الأسلحة والعتاد الحديث إلى هذه الجبهة ثلاث سنوات كاملة.
ولذا تمتلك داعش أسلحة متطورة حصلت عليها من الجيشين السورى والعراقى ومنها دبابات وصواريخ.. فضلا عن انضمام ضباط قوميين وبعثيين سنة من الجيشين العراقى والسورى مما زاد هذه القوات خبرة وحنكة عسكرية.
سادسا ً: خصوم داعش:
يمكنك فهم خصوم داعش إذا فهمت القصة كلها فهم أعداء للشيعة وحاكمى العراق وسوريا وكذلك كل من ينافسهم النفوذ على مناطقهم.. وبالتالى الخصوم كثيرون وأهمهم:
الجيش العراقى.. المالكى وأتباعه.. كل الميشيليات الشيعية العراقية.. قوات البشمركة ولكنها لا تريد التدخل حتى لا يصب ذلك لمصلحة المالكى.. الجيش السورى.. حزب الله اللبنانى.. الحرس الثورى الإيرانى.. حزب العمال الكردستانى.."، ولكنه لا يدخل معها فى معارك حاسمة إلا إذا حاولت السيطرة على أراضيه.. الجيش الحر السورى لأن داعش تكفره وتريد أن تستولى على سوريا بدلا ً منه.
سابعا: هل تستطيع داعش أن تقيم دولة؟
لن يستطيع أى تنظيم يعتنق فكرتى التكفير والتفجير أن يقيم دولة.. والخوارج لم يقيموا دولة عبر التاريخ رغم جيوشهم الكثيرة.. ولم يحدث فى تاريخ الإسلام أن أقام هذا الفكر دولة.. لأنه يملك مقومات تفجير وتدمير الدول وليس إقامتها.. فالدول فى الغالب تقوم على فكرتى التعددية والتسامح مع الآخر المختلف عقائديا ً وفكريا.. والتكفير يقوم على العكس.
حتى إن حدث وأقام دولة فإن هذه الدولة تنفجر من الداخل.. لأن فكر التكفير كالقنبلة الانشطارية التى تتمزق إلى شظايا.. ولذا لم تنجح القاعدة فى إقامة دولة فى أفغانستان بل كانت سببا فى ضياع دولة طالبان.. ولم تستطع ذلك فى الصومال.. ولم تفعله فى اليمن.. ولا فى مالى ولا فى أى مكان.. مهما ملكت من السلاح والعتاد.
فالدولة ليست سلاحا ً وعتادا ً وتنظيما حديديا.. ولكنها فكر دولة ورجال دولة وعقل دولة.. وهذا لا يوجد فى أى تنظيم تكفيرى.
وبالمقابل فإننى أعتقد أنه لن يصلح أمثال المالكى أو أى طائفى متعصب لحكم الآخرين حكما ً رشيدا ً صالحا.. مهما أوتى من قوة وبأس ونفوذ أو حتى أصوات فى الصناديق.. ومن يريد أن يفهم أكثر فليراجع سيرة النبى صلى الله عليه وسلم فى إدارته للدولة والحياة وتعامله مع الآخرين.
والخلاصة أنه لا داعش ولا المالكى يصلحون لحكم العراق ولا غيره.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة