د. عمار على حسن

خمس موجات وثلاثة أحزمة إرهاب تطوق وتهدد مصر الآن

الأربعاء، 28 مايو 2014 11:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على الأرجح لن ينهى إنجاز الانتخابات الرئاسية العمليات الإرهابية سريعا، وستحتاج القيادة السياسية القادمة إلى بذل جهد مضن فى سبيل كسر أحزمة الإرهاب الثلاثة التى تطوق مصر فى الوقت الراهن.
ابتداء، من الضرورى أن نعرف ما وقع من إرهاب على مدار العقود الفائتة، وتحديدا منذ أن انزلقت جماعة الإخوان إلى ارتكاب أعمال عنف بعد سنوات من دخولها العمل السياسى خارجة عن مسارها المعلن ابتداء أو لحظة انطلاقها بأنها جماعة دعوية تنشغل بتربية المنتمين إليها على مبادئ الإسلام وتعاليمه، وتواجه الإرساليات التبشيرية التى انتعشت فى مصر مع مطلع القرن العشرين.
وفى ركاب الإخوان ومعهم وبهم، نظرا لأن كل التجمعات والتنظيمات والجماعات والفرق السياسية التى اتخذت من الإسلام أيديولوجية لها قد خرجت من عباءة جماعة حسن البنا، شهدت مصر خمس موجات إرهابية يمكن ذكرها على النحو التالى:
1 - موجة الأربعينيات: التى كان من أبرز حوادثها اغتيال القاضى الخازندار بعد أن أصدر حكما ضد أعضاء بجماعة الإخوان، واغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى، والاعتداء على الكاتب الكبير الأستاذ عباس محمود العقاد بعد مقال وصف فيه أعضاء الجماعة بــ«الخوان» واتهمهم باعتناق الماسونية. وبعد حوادث عنف أخرى متفرقة انتهى الأمر باغتيال البنا فى فبراير 1949، وهناك من يمعن النظر فيما جرى بعد ثورة 30 يونيو من حرائق، ويفكر فى تهديدات الإخوان المستمرة بـ«حرق مصر» منذ انتهاء الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفائتة ويستنتج أن الإخوان ربما يكونوا هم من ارتكبوا حادث «حريق القاهرة» فى يناير 1952، وهى مسألة تحتاج إلى مزيد من التفكير والتدقيق، وإن كان الاحتمال واردا.
2 - موجة الخمسينيات والسيتنيات: وقامت بها جماعة الإخوان فى صراعها مع النظام السياسى الذى نشأ عقب ثورة يوليو 1952، حيث تحالف الإخوان معه فى البداية وشجعوه على التخلص من الأحزاب السياسية، ثم اصطدموا به حين أرادوا أن يحولوا حركة الضباط الأحرار إلى مجرد عنصر دفع لمشروع الإخوان. وأبرز أحداث هذه الموجة هى محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر فى المنشية 1954، وارتكاب أعمال عنف فى 1965 انتهت باعتقال خلية يقودها سيد قطب، حيث أعدم هو وبعض من معه. وقد كان مرشد الإخوان الحالى عضوا بهذه الخلية، وهناك اعترافات له بذلك.
3 - موجة السبعينيات: وقامت بها تجمعات متطرفة صغيرة مثل جماعة «الفنية العسكرية» التى خططت للانقلاب على الحكم، و«جماعة المسلمين» المعروفة باسم «التكفير والهجرة»، وجناح من «حزب التحرير الإسلامى»، وظهرت خلال هذا العقد الجماعة الإسلامية، واستخدمها السادات فى التضييق على معارضيه اليساريين فروعوا طلاب الجامعات وأرهبوهم، وانتعش تنظيم الجهاد، وانتهت هذه الموجة باغتيال السادات فى 6 أكتوبر 1981، بعد أن انقلب السحر على الساحر.
4 - موجة الثمانينيات والتسعينيات: وكانت بالأساس من فعل «الجماعة الإسلامية» وبقايا تنظيم الجهاد، وقد بدأت عام 1988 وتخللتها محاولة اغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقى ووزاء وكتاب، وتم بالفعل اغتيال رئيس مجلس الشعب رفعت المحجوب والكاتب فرج فودة ومحاولة قتل نجيب محفوظ، وقتل مئات السياح والآلاف من المواطنين ورجال الشرطة فى مواجهة بين الأمن والمتطرفين، وانتهت بحادث الأقصر 1997، الذى بعده بدأت «الجماعة الإسلامية» تعرض مبادرة وقف العنف.
5 الموجة الحالية: بدأت أثناء حكم مرسى بقتل جنود فى سيناء، ومحاصرة المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامى وحرق مقر حزب الوفد ومدخل البناية التى بها جريدة الوطن، واستمرت بعد إسقاطه بعمليات إرهابية متعاقبة نعيشها حاليا، تختلف عما جرى أنها الأكثر «عولمية» بمعنى مشاركة أفراد وتنظيمات من خارج مصر فيها، لاسيما فى سيناء، وأكثر عنفا، لأنها عرفت أشكالا جديدة لم تكن متبعة من قبل مثل «العربات المفخخة»، وتسعى خلف هدف أكثر تحديدا بعد أن ذاقت جماعة الإخوان طعم السلطة، وأصبح أفرادها أكثر تمردا وشجاعة، متخلين عن حذرهم التاريخى.
ومع الموجة الحالية تطوق مصر ثلاثة أحزمة من الإرهاب الفعلى أو المحتمل يمكن ذكرها على النحو التالى:
1 - هناك حزام يطوق الدولة بكامل ترابها حيث تنشط تنظيمات تكفيرية وإرهابية فى ليبيا، التى تربطها حدود مع مصر تصل إلى ألف كيلو متر، وتعلن تهديدها صراحة للدولة المصرية، سواء بفعل الاتجاه الغريزى لتلك التنظيمات للدخول فى صراعات حدودية مسلحة لإقامة «إمارة إسلامية» أو لوجود مجموعات قريبة من الإخوان يوظفونها فى الانتقام من السلطة الحالية فى مصر. وقد أُعلن مؤخرا عن قيام تنظيم يسمى «دالم» أى «الدولة الإسلامية لليبيا ومصر» على غرار «داعش». ومشكلة هذا الحزام وخطورته فى الوقت نفسه أن عمقه يمتد عبر الصحراء الكبرى فى ليبيا ليخترق جنوب الجزائر وصولا إلى مالى والنيجر وتشاد وحتى السنغال، حيث بقايا ما يعرف بـ«تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى» والذى كان قد سعى لإقامة دويلة فى شمال مالى لولا تدخل فرنسا بتفويض من الغرب للقضاء على هذا المسعى. وحال نجاح اللواء حفتر فى بسط نفوذ قواته على كامل التراب الوطنى الليبى فإنه قد ينجح فى كسر هذا الطوق وتخفيف العبء عن مصر.
وفى الجنوب، حيث السودان، يوجد نظام حكم قريب من جماعة الإخوان، وقد سمحت الخرطوم بدخول عدد كبير من قيادات الإخوان الهاربين من مصر للإقامة بالسودان أو توطئة لتوجههم إلى قطر وتركيا. وفى ظل ادعاءات السودان دوما بأن لها حقا فى منطقتى حلايب وشلاتين المصريتين، ومع الخلاف بين البلدين حول مشروع سد النهضة الإثيوبى، يمكن للجبهة الجنوبية أن تتأجج سواء بشكل صريح وسافر أو بطريقة مستترة ومبطنة، خاصة أن السلطة الحاكمة فى السودان استمرأت افتعال مشكلات خارجية لإبعاد المواطنين عن التفكير فى الأوضاع الداخلية، وحشدهم خلف النظام الحاكم.
وفى الشمال الشرقى هناك قطاع غزة الذى تحكمه حركة حماس، وهى فرع من جماعة الإخوان، وتتهمها مصر دوما بتغذية الإرهاب فى سيناء عبر الأنفاق، خاصة أن تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذى يعلن مسؤوليته عن أعمال إرهابية متتابعة فى مصر هو فلسطينى النشأة، من بين التنظيمات الجهادية فى غزة.
2 - هناك حزام يطوق القاهرة نظرا لتنامى وجود القوى السلفية والجهادية والإخوانية فى المحافظات القريبة من العاصمة، مثل الفيوم وأرياف الجيزة والقليوبية والشرقية.
3 - يوجد حزام ثالث يتمثل فى الأحياء العشوائية، الناجمة عن الفقر وتريف المدينة وانسحاب الدولة من توفير الإسكان، التى تطوق الأحياء التى تقطنها الطبقة الوسطى والثرية فى مصر، والتى تميل فى الغالب الأعم إلى الأفكار الأكثر انفتاحا وكانت تصوت ضد الإخوان وأنصارهم فى الاستحقاقات الانتخابية الماضية.
وإذا كان تفكيك هذا الحزام يحتاج إلى خطة متكاملة يستغرق تطبيقها وقتا تتوزع على التعليم والاقتصاد والثقافة ومؤسسات إنتاج الخطاب الدينى فإننى أعتقد أن الموجة الخامسة من الإرهاب التى تواجهها مصر حاليا ستستمر فترة ثم تنكسر وتنحسر وتنتهى بندم جديد للإرهابيين، فالجريمة لا تفيد، والإرهاب لا يقيم دولة، لاسيما مع شعب أثبت طيلة الوقت أنه عصى على الترويع والترهيب والتفزيع، ولم تثنه كل استمالات الخوف التى اتبعها الإخوان عن النزول بالملايين فى 30 يونيو الماضى لإسقاط حكم جماعة الإخوان. وأعتقد أن إنجاز الانتخابات الرئاسية بعد إقرار الدستور، يعنى قطع محطتين مهمتين من خريطة الطريق، وتبقى الانتخابات البرلمانية، لتكتمل الجدران الشكلية لمواجهة الإرهاب والعنف المنظم، ويبقى تحقيق العدل الاجتماعى فى ظل برنامج تنمية شاملة مع احترام الحريات العامة وعدم قهر السلطة للمواطنين ليملأ هذه الجدران بالمادة التى تأكل الإرهاب بموجهاته وأحزمته وحلقاته.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة