أكتب هذه السطور، عصر الأحد أمس الأول، لتنشر إذا شاء الله صباح اليوم الثلاثاء ثانى أيام التصويت على من سيشغل موقع رئيس الجمهورية، وأيا كانت النتيجة باحتمالاتها الضئيلة المؤيدة لفوز حمدين أو احتمالاتها الغالبة بفوز السيسى، وأيضا الاحتمال الثالث، وهو أن تنجح عملية تكسير الأصوات، فيزداد عدد الممتنعين ويأتى فوز السيسى باهتا لا يتناسب مع حجم ما شاع من أجواء واثقة فى الاكتساح، فإن السؤال الذى أزعم أنه يشغلنى منذ اللحظة التى اتخذت فيها موقفا مناوئا، وبشدة، ضد ترشح حمدين صباحى هو ما مصير التفاعل السياسى فى مصر، وهل يمكن أن تؤدى الخطوة الأولى التى هى انتخاب رجل دولة من صفوف القوات المسلحة إلى خطوات تالية تتحقق فيها الديمقراطية، أى ينتهى الاستبداد بكل أشكاله وتتحقق فيها الشفافية والطهر، أى ينتهى الفساد والإفساد بكل درجاته وتتحقق فيها أيضا استجابة المصريين لمعظم إن لم يكن كل التحديات التى تواجه وطنهم؟!
لقد أجبت عندما سئلت لماذا لن تنتخب حمدين؟!
قلت وبسرعة واقتضاب: لأننى أعرفه جيدا ولم أزد على هذه الكلمات الثلاث، ولست الآن فى معرض تفصيل كل حرف فيها، ولكننى بصدد التفكير الحتمى فى السبل التى نشارك بها كمواطنين بمختلف درجات وعينا، ومختلف انتماءاتنا الاجتماعية والفكرية والسياسية فى السعى للديمقراطية، ومطاردة الاستبداد والفساد، إلى أن يصبحا معدومى الوجود كبعض الأمراض التى اختفت من المجتمعات البشرية.
فى اعتقادى أن السبيل الأول والرئيسى، وربما يكون الوحيد، هو أن يتم وضع برامج عمل وطنى شاملة تتضمن تجميع الطاقات لمواجهة تحديات الطبيعة، التى فرضت نفسها علينا، وفى مقدمتها تحدى هجوم البحر من الشمال، وتحدى هجوم الصحراء من الغرب والشرق، وتحدى رشح المياه المقبلة من الجنوب، وتحدى ضيق الرقعة الزراعية، وتحدى ندرة الطاقة الأحفورية البترول والفحم والغاز وتحدى غياب وسائل الاستفادة من وفرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة البيولوجية كالقمامة والروث.
ثم تجميع الطاقات لمواجهة تحديات أخرى، ربما تكون أكثر خطورة ومنها: تحدى التكدس فى أقل من عُشر مساحة أرض الوطن، وتفشى الأمراض الاجتماعية المعوقة للتنمية والتقدم فى ذلك التكدس، وكيف نحول دون انتقال الأمراض نفسها إلى المجتمعات الجديدة؟ ثم تحدى شيوع فلسفة الخلاص الفردى، التى جاءت مع التحولات الاقتصادية الاجتماعية الثقافية، التى وقعت منذ منتصف السبعينيات بسياسات الانفتاح الاقتصادى العشوائى الريعى المنحط، وبالهجرة الواسعة لبلاد النفط، والعودة منها بمنظومات قيم وعادات وتقاليد مغايرة للنسق المصرى التاريخى وكلها أدت الانفتاح والهجرة للنفط إلى التخلى عن المشاريع القومية الجامعة، التى تعلم منها وفيها المصريون كيف يتجمعون وتتوحد إرادتهم وتتفجر طاقاتهم على هدف وطنى واحد ينجزونه ويكون مدرسة لتفريخ كوادر وطنية فى مختلف المجالات.
إن تحدى التكدس وتحدى حتمية إنشاء مجتمعات جديدة، وتحدى مقاومة فلسفة الخلاص الفردى يمكن جمعها كلها فى تحدٍّ أساسى واسع وعميق، هو تحدى إعادة بناء وعى الإنسان المصرى، خاصة شرائح الأعمار من ست سنوات إلى أربعين سنة، وهى شرائح تمثل الغالبية العظمى من المصريين.
ولعلى لا أبالغ إذا قلت: إن مجابهة تلك التحديات تمثل عندى برنامجا وطنيا يجب أن تنشغل به المعارضة قبل الحكم، ولا يمكن أن نعيش بمنطق مؤداه اترك من فى الحكم وحدهم ليغرقوا ويثبت فشلهم، وليذهبوا هم وربهم ليقاتلوا ونحن هنا قاعدون.
يجب أن ننشغل فى كل مواقعنا، وخاصة ما يسمى بالنخب السياسية والثقافية والإعلامية، وأيضا المهنية التقنية، برسم أبعاد خريطة تقسيم العمل فى كل المجالات خلال السنين القليلة المقبلة.. وفى ظنى أن شخصا مثل حمدين صباحى، الذى رأى فى نفسه الأحق بالرئاسة ومعه أنصاره الذين رأوا فيها الرأى نفسه، يمكن أن يدخل التاريخ ليس فى مصر فقط وإنما تاريخ البشرية، إذا تحول لقائد شعبى يقود ويوجه قادة العمل الوطنى فى كل المجالات التى ذكرتها.. ولنا أن نتصور أنه فى دائرته الانتخابية، أقصى شمال الدلتا، يعنى فى مواجهة البحر «خبط لزق»، وبالامتداد شرقا وغربا بدأ تكوين قوافل أو تجمعات أو فرق شبابية من الجنسين تكون لديها دراسات عن الخبرة الهولندية فى مواجهة البحر، وتبدأ بكل الوسائل المتاحة الآلية الميكانيكية واليدوية، يعنى المقاطف والفؤوس والكواريك فى ردع هجوم المياه المالحة وإعمار المناطق التى سيتم اكتسابها من البحر بمشاريع تفى باحتياجات هؤلاء الشباب واحتياجات مجتمعاتهم، لأن بلدا كهولندا بنى اقتصاده الذى يتفوق على اقتصاديات كل المنطقة العربية، بما فيها بلاد النفط على الأراضى التى اكتسبها من البحر، وعلى توظيف الرياح من الطاقة.. وبذلك يحجز حمدين أو من سيقود هذه الملحمة الوطنية العظمى كرسيه ليس فى الاتحادية الزائلة، وإنما فى قلوب وعقول الشعب، وفى أسمى مراتب عظماء التاريخ.
وربما يعمد واحد ابن بلد «دُقرم» إلى أن يسألنى سؤالا مزدوجا هو: هل تتوقع أن يصل كلامك لمن ذكرت اسمه، وإذا وصله هل سينفذه؟ ثم لماذا لا تقوم بها أنت يا فالح وتدخل التاريخ بدلا من الآخرين؟ وأقول: إننى أتمنى أن يصله الكلام، ولكن الشك يراودنى فى التنفيذ، لأن هناك من يفضّل العاجلة على الآجلة، وهناك من لا يحب الاستماع لنصائح آخرين، يظن أنهم ينقمون عليه نجوميته، ولم يثبت أنه جنح إلى فضيلة تقسيم العمل والاستفادة من كل الطاقات التى حوله، كل بحسب ما يستطيع تقديمه.. أما أنا فأظن أن فى ذهنى أمرا أسعى إلى تنفيذه، وهو جزء مما ذكرت، وربما أبدأ بمسقط رأسى هناك فى عمق وسط الدلتا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد ماهر
ما نريدة ونتمناة