ترتبط قضية العمل فى المجال السياحى بأعراف عالمية أو دولية، ومنها ما يصطدم مع ظاهر بعض النصوص الشرعية مثل حمل الخمر ولحم الخنزير لمن يتناوله، وقد عالج الفقهاء المسلمون تلك المسألة تحت عنوان حكم الاستئجار لحمل المحرمات لمن يتناولها إذا كان العاقدان أو أحدهما مسلماً، كما هو الشأن فى بعض المجالات السياحية المعاصرة، ويمكن إجمال أقوال الفقهاء فى ذلك فى ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: يرى بطلان عقد الإجارة وتحريمه على المسلم فى حمل الخمر لمن يشربها ولحم الخنزير لمن يأكله سواء كان مؤجراً أو أجيراً، ولا يستحق فى ذلك أجراً لا المسمى ولا أجر المثل، وهو مذهب الجمهور قال به محمد بن الحسن الشيبانى وهو المفتى به عند الحنفية، وإليه ذهب المالكية، وهو المعتمد عند الشافعية والمشهور عند الحنابلة وهو مقتضى مذهب الظاهرية، حيث نص ابن حزم على فساد الإجارة على المعاصى مطلقاً، وحجتهم: «1» عموم قوله تعالى: «ولا تعاونوا على الإثم والعدوان». (المائدة: 2)، حيث إن فى الإجارة على حمل الخمر لمن يشربها أو لحم الخنزير لمن يأكله إعانة على الحرام فيما يعتقده المسلم. «2» عموم ما أخرجه أحمد وابن ماجة بإسناد صحيح عن ابن عمر، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لعنت الخمر على عشرة أوجه: بعينها، وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها، وشاربها، وساقيها»، قالوا: وهذا صريح فى تحريم حمل الخمر استقلالاً.
المذهب الثانى: يرى صحة عقد الإجارة وجوازه للمسلم فى حمل المسكرات- دون الخمر أو الخنزير- سواء كان مؤجرًا أو أجيرًا، ويستحق فى ذلك الأجر المسمى ويطيب له، وهو رواية عن أبى حنيفة وبه قال أبويوسف وبعض الشافعية، وحجتهم: أن لحم الخنزير محرم بالإجماع، كما أن الخمر محرمة قليلها وكثيرها، أما المسكرات من غيرها فلا يحرم منها إلا القدر المسكر فى الجملة، وهو أمر يرجع إلى الشارب وليس البائع أو الحامل. قالوا: وحكم الإجارة فرع عن حكم التناول.
المذهب الثالث: يرى صحة عقد الإجارة وجوازه للمسلم فى حمل الخمر لمن يشربها أو لحم الخنزير لمن يأكله إذا كان أجيرًا ويستحق فى ذلك الأجرة المسماة وتطيب له، أما المؤجر المسلم فلا يجوز له ذلك فى لحم الخنزير وفى الخمر دون المسكرات من غيرها، وهو قول أبى حنيفة ورواية عن الإمام أحمد، ولكنه لا يفرق بين الخمر وبين المسكرات، ويرى جواز الاستئجار لحملها أو حمل لحم الخنزير، وكراهة الأجرة دون التأجير، فلا يملك المسلم أن يكون مؤجرًا لها، وحجتهم: «1» أنه يشترط فى المؤجر أن تكون له ولاية على محل العقد بالملك أو الإذن فى التصرف، والمسلم لا يملك الخمر أو الخنزير، ولا يملك الإذن فى التصرف فيهما، لأن الشرع أهدر عليه ماليتهما بتحريم تعاطيهما وتحريم بيعهما، ولذلك لم يكن له أن يتولى عقد الاستئجار على حملهما. «2» أن الأجير يتعلق حقه فى الأجر بعقد الإجارة وليس بمحله، خاصة أن العمل لا يتعين عليه بدليل أنه لو حمله مثله جاز، ولو حمل الخمر بقصد إراقتها أو حمل لحم الخنزير بقصد إبعاده عنه لكان ذلك جائزًا بالإجماع واستحق على ذلك الأجر المسمى، فدل على أن الحمل فى ذاته ليس محرمًا، لأن الحمل ليس من ضروريات التعاطى. «3» أن لعن الخمر من أوجهها العشرة يرجع إلى الشرب، لأنه المحرم قطعاً فيجب حمل الحديث على ذلك لرفع الحرج عن الناس وإلا لشمل اللعن الزارع والساقى والقاطف وحامل الخمر لإراقتها، ولم يقل بهذا أحد، كما روى أبوعبيد فى كتابه «الأموال» وعبد الرزاق فى «مصنفه» عن سويد بن غفلة أنه لما بلغ عمر بن الخطاب أن عماله يأخذون الجزية من الخمر، قال: لا تفعلوا ولكن ولوهم بيعها وخذوا أنتم الثمن.
ونظرا لأهمية هذه المسألة وخطورتها فإننا ندعم المذهب الثانى بنصوص الفقهاء فيه.. يقول الكاسانى الحنفى الملقب بملك العلماء والمتوفى 587هـ فى «بدائع الصنائع» كتاب الإجارة منه، الجزء السادس ص 2599 - مطبعة الإمام بالقلعة- الناشر زكريا على يوسف، ما نصه: «ومن استأجر حمالا يحمل له الخمر فله الأجر فى قول أبى حنيفة، وعند أبى يوسف ومحمد لا أجر له- كذا ذكر فى الأصل- وذكر فى «الجامع الصغير» أنه يطيب له الأجر فى قول أبى حنيفة، وعندهما يكره.لهما: أن هذه إجارة على معصية؛ لأن حمل الخمر معصية لكونه إعانة على المعصية، وقد قال الله عز وجل: «ولا تعاونوا على الإثم والعدوان». (المائدة: 2)، ولهذا لعن الله تعالى عشرة منهم حاملها والمحمولة إليه.
ولأبى حنيفة: «أن نفس الحمل ليس بمعصية، بدليل أن حملها للإراقة والتخليل مباح، وكذا ليس بسبب للمعصية وهو الشرب، لأن ذلك يحصل بفعل فاعل مختار، وليس الحمل من ضروريات الشرب، فكانت سببا محضا فلا حكم له كعصر العنب وقطفه، والحديث محمول على الحمل بنية الشرب، وبه نقول إن ذلك معصية، ويكره أكل أجرته».
ويقول ابن قدامة الحنبلى المتوفى 620 هـ فى كتابه «المغنى»- طبعة مكتبة الرياض الحديثة سنة 1981م- 1401هـ- ما نصه: «لا يجوز الاستئجار على حمل الخمر لمن يشربها، ولا على حمل خنزير ولا ميتة لذلك. وبهذا قال أبويوسف ومحمد والشافعى، وقال أبوحنيفة: يجوز؛ لأن العمل لا يتعين عليه بدليل أنه لو حمله مثل جاز، ولأنه لو قصد إراقته أو طرح الميتة جاز».
وقد روى عن أحمد فيمن حمل خنزيرا، أو ميتة أو خمرا لنصرانى أكره أكل كرائه ولكن يقضى للحمال بالكراء، فإذا كان لمسلم فهو أشد.
قال القاضى: هذا محمول على أنه استأجره ليريقها، فأما للشرب فمحرم، ولا يحل أخذ الأجرة عليه.
قال ابن قدامة: وهذا التأويل بعيد؛ لقوله: «أكره أكل كرائه وإذا كان لمسلم فهو أشد»، ولكن المذهب خلاف هذه الرواية؛ لأنه استئجار لفعل محرم فلم يصح كالزنى، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم، لعن حاملها والمحمولة إليه، وقوله: «لا يتعين» يبطل باستئجار أرض ليتخذها مسجدا، وأما حمل هذه لإراقتها والميتة لطرحها والاستئجار للكنف فجائز، لأن ذلك كله مباح، وقد استأجر النبى صلى الله عليه وسلم، أبا طيبة لحجمه، وقال أحمد فى رواية ابن منصور فى الرجل يؤجر نفسه لنظارة كرم النصرانى: يكره ذلك؛ لأن الأصل فى ذلك راجع إلى الخمر.
حكم استئجار غير المسلم دار المسلم لاتخاذها حانوتا لبيع الخمر
ذهب جمهور الفقهاء من أصحاب أبى حنيفة والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية إلى بطلان هذا العقد وتحريمه، وحجتهم: أنها إعانة على معصية.
وذهب الإمام أبوحنيفة إلى صحة هذا العقد، وحجته: أن العقد وارد على منفعة الدار مطلقا، ولا يتعين على المستأجر اتخاذها لتلك المعصية، وأيضاً فإن حانوت الخمر ليس محرما فى شريعة المستأجر.
أما إذا استأجر غير المسلم دارا للسكنى أو للتجارة فى العروض المباحة ثم اتخذها حانوتا للخمر فعقد الإجارة انعقد صحيحا بالإجماع، ويكون لمالك الدار ولعموم المسلمين منع ذلك حسبة، أى رفع دعوى قضائية لطلب فسخ هذا العقد لأن النشاط محرم فى شريعة المؤجر.
وقد اختار المصريون العاملون فى قطاع السياحة قول أبى حنيفة وأبى يوسف وبعض الشافعية الذين ذهبوا إلى صحة عقد الإجارة ومشروعيته فى حمل المسكرات دون الخمر سواء كان مؤجراً أو أجيراً، كما اختاروا قول أبى حنيفة ورواية عن الإمام أحمد ومن وافقهما القول بجواز استئجار النفس لحمل لحم الخنزير أو حمل الخمر ويطيب الأجر للأجير بدون كراهة عند أبى حنيفة ومع الكراهة عند أحمد فى هذه الرواية؛ لأن المحرم فى الخمر هو شربها، وليس مجرد حملها، وليس الحمل بالضرورة سبيل لشربها، والحديث الوارد بلعن الخمر من عشرة أوجه، ومنها الحمل محمول على الشرب حتى لا يتوسع فى التحريم رفعا للحرج، كما أن المسكرات من غير الخمر محل خلاف بين الفقهاء، والقاعدة الفقهية تمنع الإنكار فى المختلف فيه؛ خاصة أن إجمالى عدد المصريين المعتمدين على قطاع السياحة يبلغ نحو 15 مليون شخص، كما يوفر نحو 12، %6 من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة. «حسب تقرير اتحاد الغرف السياحية فى 2011 م».
وترك المصريون مذهب جمهور الفقهاء الذى يرى بطلان عقد الإجارة على حمل الخمر ولحم الخنزير وتحريمه بإطلاق ليس تجرؤا وإنما لكونه مذهبا فقهيا يحتمل الخطأ، كما أن مخالفه مما ذهب إليه أبوحنيفة وأبويوسف ومن وافقهما يحتمل الصواب، وعلم المصريون أن الإسلام قد أعطاهم الحق فى الاختيار الفقهى من بين أقوال أهل العلم المعروفين بالأمانة والثقة واعتماد الدليل فى الاجتهاد، ويكون الاختيار بحسب ما يرفع الحرج ويحقق المصالح وليس بحسب كثرة القائلين بالقول؛ لما أخرجه أحمد بإسناد حسن عن وابصة بن معبد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له: «استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابراهيم ذكى
شكرا لليوم السابع
عدد الردود 0
بواسطة:
ابراهيم ذكى
شكرا لليوم السابع