رغم أن نصف المسجلين فقط من المصريين فى الخارج ذهبوا إلى صناديق الاقتراع فى الانتخابات الرئاسية الحالية، وهم لا يزيدون عن خمسة فى المائة من العدد الإجمالى لهم، فإن هذا الرقم هو الأكبر قاطبة منذ أن بدأت الاستحقاقات الانتخابية عقب ثورة 25 يناير، وعلى الدولة أن تشرع من الآن فى اتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز هذا الرقم باستمرار، الأمر الذى يربط أهالينا المغتربين بوطنهم، وهى مسألة ذات بال فى ظل الأهمية التى تمثلها تحويلاتهم فى الدخل القومى، أو الدور الذى يجب أن يلعبوه فى الدفاع عن المصلحة الوطنية، أو الإرادة الشعبية، لاسيما فى أيام الخطر.
ابتداءً فإن هذه المرة شهدت تسهيلات جيدة أدت إلى تزايد عدد من أقبلوا على صناديق الانتخاب بالخارج، وهو السماح لغير المسجلين بالتصويت طالما يحملون بطاقات الرقم القومى أو جوازات السفر المميكنة، لكن لا يجب أن ننسى أن التشريع الأخير، ولمزيد من الدقة والضبط، ألغى التصويت بالبريد، الذى سبق أن استغلته جماعة الإخوان فى الانتخابات الرئاسية السابقة بإفراط، فى دعم مرشحها، علاوة على أن هناك فئة، غير قليلة، تقيم بطرق غير شرعية فى بلدان عدة، لاسيما فى أوروبا، بل إن بعضهم قد انتهت صلاحيات جوازات سفرهم، وبالتالى فهؤلاء، حتى ولو كانت لديهم الرغبة فى أن يشاركوا فى الاستحقاق الانتخابى، فليس بوسعهم أن يترجموا هذه الرغبة إلى عمل حقيقى.
وفى ظل كل ما سبق يحق لنا أن نقول باطمئنان إن الإقبال هذه المرة أكبر من المرات السابقة، وبالتالى سيكون له انعكاس على الانتخابات فى الداخل التى ستجرى يومى 26 و27 من مايو الجارى، وتأثير على وضع جماعة الإخوان ودعايتها المضادة لثورة 30 يونيو فى الخارج.
وبالنسبة للتأثير على الانتخابات فإنه سيتوزع فى طريقين هما:
1 - حجم الإقبال: فتجربة الانتخابات والاستفتاءات السابقة أظهرت وجود تلازم إلى حد كبير بين نسبة الإقبال على التصويت فى الخارج ونظيرتها فى الداخل، أو علاقة طردية بين الاثنين، حيث كان كلما زاد الإقبال فى الخارج زاد فى الداخل. وهذه المسألة قابلة للتكرار فى الانتخابات الحالية.
2 - اتجاهات التصويت: ينظر المتنافسون فى الداخل إلى نتائج تصويت المصريين فى الخارج باعتبارها تعبيرا أمينا ودقيقا عن ميول الناخبين وحظوظ المرشحين، بشكل عام، أو أنها أشبه باستطلاع رأى شامل وواسع، أكبر من أى استطلاعات تجرى فى الداخل على عينات محدودة. ولذا يستغل المرشحون، أو المتنافسون فى الساحة السياسية، نتائج الخارج فى التسويق السياسى أو الدعاية لأنفسهم بقوة فى الداخل.
ورغم أن النتائج الرسمية لتصويت الخارج لا تعلن إلا مع النتيجة العامة بعد فرز أصوات الناخبين فى الداخل، فإن النتائج غير الرسمية، التى يعلنها بعض السفراء فى وسائل الإعلام، أو التى يتمكن الصحفيون من الوصول إليها، يتم نشرها وبثها، وتركز الفضائيات والإذاعات والصحف عليها بشكل شديد، الأمر الذى يحقق الأهداف التى يصبو إليها المرشح الذى تأتى النتائج فى صالحه، بينما سيستمر المرشح الخاسر فى الخارج على التقليل من أهمية تصويت المصريين فى الخارج اتكاءً على قلة عدد المصوتين قياسا إلى إجمالى من يصوتون فى الداخل، أو وجود عقبات لوجستية منعت كثيرين من الذهاب إلى صناديق الاقتراع فى الخارج، أولها أن التصويت يتم غالبا فى عواصم الدول، بما قد يحول دون تصويت من يعملون فى مدن بعيدة عن العواصم.
وإذا كانت هذه هى النتيجة التقليدية أو الثمار المعهودة لتصويت المصريين فى الخارج فإن هذه المرة لها خصوصية ظاهرة، فقبل انطلاق التصويت راحت جماعة الإخوان تهدد بأنها ستنظم مظاهرات أمام السفارات والقنصليات المصرية جميعا، وأن هذه المظاهرات ستكون حاشدة بحيث تظهر للعالم حجم الاعتراض على الانتخابات الرئاسية، وهى المحطة الثانية فى خريطة الطريق التى تم إعلانها عقب إسقاط حكم الجماعة، ويمكنها فى الوقت نفسه أن تمنع، أو تخيف، من يرغبون فى التصويت، فيحجمون عنه، فتتضاءل نسبة الإقبال إلى أدنى حد، وبالتالى تظهر الصورة أمام الخارج على أن المصريين يقاطعون الانتخابات الرئاسية، التى تبدو كفة الغريم الأول والأساسى للإخوان وهو المشير عبدالفتاح السيسى هى الأرجح.
لكن المصريين فى الخارج، لم يستجيبوا لاستمالات التخويف الإخوانى، بل تحدوها كالعادة، وصنعوا طوابير طويلة أمام السفارات والقنصليات، فبددوا الهدف الأول للجماعة وهو إظهار انفضاض المصريين عن خريطة الطريق، وحققوا هدفا مهما وهو إظهار مدى ضعف وتهافت التنظيم الدولى للإخوان، وأنه فى الخارج، كما هو الوضع فى الداخل، هناك دوما فجوة هائلة بين «الرغبة» و«القدرة» لدى الجماعة، فالإخوان كثيرا ما يعلنون أهدافا أكبر من طاقتهم على تحقيقها، وهذه مسألة أصبحت واضحة للعيان فى الشهور الأخيرة.
إن الصورة التى ظهر عليها المصريون أمام لجان الاقتراع فى مائة وأربعة وعشرين دولة صدرت للعالم رسالة مضادة لتلك التى أرادها الإخوان، إذ بينت أن هناك إصرارا على استكمال خريطة الطريق، والدفاع عن الإرادة الشعبية، وأن تنظيم الإخوان الذى قام بتسويق نفسه للغرب خاصة على أن أغلبية الشعب معه ضد ما يسميه بـ«الانقلاب» ينفض عنه أنصاره، بينما لا تسعفه قدراته الذاتية فى تحقيق ما يصبو إليه من أهداف فى مطلعها استعادة السلطة التى أسقطهم الشعب عنها بخروجه فى 30 يونيو.
وأتصور أن انعكاس أو تأثير تصويت المصريين بالخارج فى هذه الزاوية يساوى، إن لم يكن يزيد، على مسألة استغلاله فى التسويق السياسى بالداخل، ففى نهاية المطاف كان تحدى انتزاع اعتراف العالم بما جرى فى 30 يونيو وإقراراه بإرادة الشعب المصرى، وتفهمه للخطوة التى أقدم عليها الجيش بعزل مرسى، هو من المسائل الجوهرية بل المشاكل الأساسية التى واجهتها، ولا تزال، السلطة الانتقالية، ومن ثم فإن وقوف المصريين أمام السفارات بهذه الصورة، قد ساهم، من دون شك، فى حل جزء معقول من هذه المشكلة، وتتوقف البقية على إجراء انتخابات نزيهة، ثم انتخابات برلمانية، والأهم من كل هذا هو أن تتصرف السلطة المقبلة بما يحقق رضا الشعب عنها والتفافه حولها وتماسكه معها، فهذا هو حائط الصد الأساسى أمام أى تدخلات خارجية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة