مما لا شك فيه أن المشهد المصرى له حضور طاغى على وريقات الصحافة وساعات التليفزيون نظراً لما يحمله من عوامل تدفع إلى تغيير فى خريطة القوى على المستوى الإقليمى وكذلك بعض من التأثير الذى لا يستهان به على الإطلاق فى ميزان القوى على المستوى الدولى وبالقطع لا تكمن أهمية المشهد المصرى فى مسألة القضاء على الإخوان وحسب بل لعل هذه المسألة هى أبسط العوامل فى معادلة القوى وإنما هى توجهات شديدة الوضوح للإدارة المصرية المرتقبة بقيادة السيسى الذى تشير كل الاستطلاعات دونما استثناء واحد لفوزه بمقعد الرئاسة فى مصر.
وكما هو واضح أيضاً فإن الرئيس المرتقب مشغول بدفع متوازى للملف المصرى بشكل عام بين تقوية الجبهة الداخلية ووضع حلول سريعة لأزمات الغذاء والطاقة والأسعار لحين الانتهاء من مجموعة مشاريع قومية عملاقة تنقل مصر من حالة اقتصادية متردية إلى حال شديد الاختلاف وبمعدلات نمو قد تصل إلى %6 فى نهاية الفترة الرئاسية الأولى طبقا لبعض الدراسات مما يعد قفزة مهولة لبلد تخطى فيه معدل النمو %2 خلال أكثر من ثلاث سنوات، أما الصعيد الآخر الذى يشغل السيسى فهو مشروع سياسى قد يطلق عليه الكاتب «مصر الكبرى» حيث تنتقل مصر من حالة بسط السيادة على كامل أراضيها إلى بسط نفوذها على بعض دول الجوار بل وقد يمتد النفوذ إلى ما هو أبعد من ذلك على المستوى الإقليمى وهذا ما أشار إليه السيسى مرتين؛ الأولى فى احتفالية القوات المسلحة المصرية يوم 6 أكتوبر فقال نصا «سيظل الجيش المصرى حاميا للمصريين وللعرب كمان لو عاوزين» أما المرة الثانية فقد كان أثناء حواره مع المذيعة المعروفة «زينة يازجى» لصالح شبكة «سكاى نيوز» عندما استخدم جملة «لو العرب احتاجونا هنروح لهم مسافة السكة»، يبقى أمر واحد لتكتمل الصورة وهو تشكيل السيسى حين كان قائدا عاما للقوات المسلحة المصرية لوحدات الانتشار السريع فائقة التسليح وفائقة الكفاءة وهو ما صرح به مصدر عسكرى رفيع المستوى فى حديث غير صحفى مع الكاتب - سيذكر الاسم فى حينه المناسب - واصفاً هذه القوات بأنها ليست مجرد فرقاً عسكرية وأنها بمثابة جيش كامل يعمل له ألف حساب على حد قوله.
وحتى لا يظن القارئ أن التحركات المصرية هى على المستوى العسكرى فقط فعليه أن يراجع تحركات الخارجية المصرية السريعة على المستوى الأفريقى بداية من علاقة تقارب شديد مع جمهورية جنوب السودان مروراً بتقاربات جديدة مع دول حوض النيل ذهابا إلى حل مرتقب (كما يظن الكاتب) للأزمة المصرية الإثيوپية خلال أسابيع ذهابا إلى نشاط ملحوظ فى ملف مصالحة الفصائل الفلسطينية الذى عادت إليه مصر بقوة خلال الأسابيع الماضية لخلق ظهير أمان سياسى لتحركاتها العسكرية فى سيناء من جهة وللبدأ فى عودة الدور المصرى للبنان من جهة أخرى مما يعطى رسائل واضحة للاعبين أساسيين فى الملفين (قطر والكيان الصهيونى) وهما بالقطع لاعبان أساسيان فى الملف الأفريقى وكما هو معلوم الآن لدى الكل فهما أساس الأزمة الخليجية.
هكذا تبدو الأحجية أكثر سهولة لمن يريد أن يفهمها أو لمن يريد أن يجمع قطع البازل لتكتمل الصورة الخاصة بـ «مصر الكبرى» ولكن تبقى بعض القطع غير مكتملة وهى الملف الليبى سياسيا وليس فقط عسكرياً والملف السورى الذى طرأت عليه تطورات بالغة الأهمية تختفى فيها تدريجياً فصائل القاعدة وداعش والتنظيمات التكفيرية لتظهر فيه «حركة حزم» العلمانية الصورة التى ستدفع بها أمريكا لتصدر المشهد السورى وهو ما سيكون محط النقاش فى مقال الأسبوع القادم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة