لا تستفيد جماعة الإخوان أبدا من أخطائها، ولا تعيد قراءة حدث سبق وقرأته بشكل خاطئ، سيطرت القراءة الخاطئة على الجماعة منذ لحظة 25 يناير، وصاحبها ذلك المنهج حتى الآن الجماعة التى راهنت بعد خروجها من الحكم وبيع ثورة يناير وتوظيف أحداثها للتمكن من الحكم، تصورت بعد فوات الأوان أنها قادرة على أن تشعل مسارا ثوريا جديدا يعيد خلط الأوراق بما يسمح بعودتها للحكم، تحت عناوين الثورة وأهدافها التى تحولت لديهم لحصان طروادة يريدون الاختباء فيه وخداع الشعب المصرى من جديد، هل غضب الإخوان فى الشوراع من أجل مصر ومن أجل الثورة المغدورة التى ذبحوها مع المجلس العسكرى السابق؟ هل هذه الدموع على الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشاركة الوطنية؟ أم هى على الحكم الذى راح والحلم الذى تبدد؟ راهن الإخوان على شق مسار ثورى جديد ومحاولة اجتذاب القوى التى خانوها فى فبراير2011، يوم غلبوا منطق المصلحة الضيقة وخضعوا لغواية حكم مصر، التى تصوروها مهيأة لقبول حكمهم الفاشى، تحالفوا مع الدولة القديمة بشروطها على وهم خداعها، وهم من أتى من خارجها بسذاجة وغباء لم يتخلَ عنهم أبدا، وعندما فشلت المحاولات المتكررة من الجماعة وبدا أن الشعب لن تنطلى عليه الخدعة، رغم الدماء التى سالت والنفوس التى أزهقت على مذبح الحكم فى معركة حولوها من معركة سياسية إلى معركة دينية، ولأن الشعب شب عن الطوق وهضم أسطورة الإسلام السياسى واستعاد رشده، حاول الإخوان تحريك المشهد بحيلة جديدة من نفس الصندوق، عبر تلك الكيانات الوهمية التى صنعوها وتعودوا على استخدامها وقت الحاجة، تماما كما كان يفعل مبارك بالأحزاب الكرتونية التى تضفى مظهرا ديمقراطيا على حكمه، يتيح له الادعاء بأنه يحكم دولة حقيقية، أعنى لدى الإخوان كيانات مثل جبهة الضمير، والتحالف الوطنى من أجل الدفاع عن الشرعية، والتحالف الوطنى من أجل مصر وغيرها من المسميات، التى ليس لها من اسمها نصيب ولا يتجاوز دورها تحريك الموقف السياسى باتجاه مصالح الجماعة وأهدافها، أو اختباء الجماعة خلفها لحين الحاجة، عموما فقد تفتقت قريحة التنظيم عن كيان جديد، أعلن وثيقة أطلقتها على حد تعبير موقع إخوان أون لاين قوى سياسية وثورية من بينها التحالف الوطنى لدعم الشرعية، إذن الإخوان تأخروا فى الترتيب الثالث بعد القوى السياسية والثورية، التى تتحدث من بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبى الجماعة التى تعودت على اعتبار القوى السياسية والثورية مجرد مسهل سياسى تلجأ له وقت الحاجة، تتأخر فى ديباجة الوثيقة لتأتى فى الترتيب الثالث، دون أن يعنى ذلك بالطبع أنه ترتيب القرار والتأثير، فقط الظروف اقتضت مؤقتا أن يتقدم هؤلاء بينما يتأخر الإخوان حتى تحين الظروف، وكم كنت أتمنى أن يتأخر الإخوان بالفعل خطوتين ويتركوا من امتلكوا زمام المبادرة فى 25 يناير من كل القوى السياسية تدير هى المشهد، ويكونوا هم فى الخلف لكن الجماعة التى لم تسمع حتى لأعضائها وفصلت شبابها، من اشتركوا فى ثورة يناير وبيضوا وجهها أمام التاريخ وسمحوا لها أن تدعى بأنها كانت فى طليعة الثوار، بما سمح أن تكون فى الحكم الذى لم تحافظ عليه كالرجال وبكته كالنساء، وصنعت المظلومية تلو الأخرى فى تدبير غبى اكتفى فيه التنظيم بتنظيم طوابير المنتحرين أو المعتقلين من أبنائه، أطلقت الجماعة مبادرة من بروكسل وتوعد بعض رموزها بتنظيم مليونية لتأييدها ضمت المباردة المزعومة عشر نقاط، الأولى تتحدث عن إدارة التعددية والتشاركية ضمن حالة توافقية توضع لها الآليات المناسبة للاتفاق بين التيارات السياسية، بالله عليكم ما هى خبرتكم فى الشراكة الوطنية أو التفاعل مع القوى السياسية؟ هل نجحتم فى إدارة التعددية داخل جسد الجماعة أو الوطن؟ لنصدق أنكم قادرون على الاندماج من جديد فى صيغة كتلك، بينما تحدث البند الثانى عن عودة الجيش إلى ثكناته وعدم الإنحياز لتيار سياسى، من الذى أخرج الجيش من ثكناته أليس هذا التحالف بينكم وبين المجموعات التكفيرية برعاية إقليمية ودولية لهدم هذا البلد؟ ألم ينحاز الجيش لخيارات الشعب فى يناير ويونية لأن القوى السياسية وأنتم منها لم تصنعوا كيانات مدنية تكفل الحفاظ على الدولة، وتركتم الفراغ الذى تمدد الجيش فيه خوفا من سقوطها، ثم تواصل المبادرة الحديث عن العدالة الاجتماعية وبناء إستراتيجية لتحقيقها، هل كان ذلك البند من أولوياتكم عندما كنتم فى الحكم عندما تصالحتم مع رجال أعمال مبارك وشكلتم جمعية ابدأ، لتنتج صيغة مبكرة من التحالف بين السلطة ورأس المال، ثم تتحدث الوثيقة عن تمكين الشباب والمرأة، كيف نصدق ذلك؟ ولم تحظَ فئات بالتهميش كما حظيت هذه الفئات فى تنظيمكم، الذى امتهن المرأة الإخوانية وجعلها وقودا لمعركة سياسية سواء فى الانتخابات أو المظاهرات، دون أن يكون لها حظ المشاركة فى اتخاذ قرارات هى أكثر من يدفع ثمنها، أما الشباب الذى سقط فى معارككم الفاشلة بينما فضلتم أنتم أن تمارسوا القيادة إما من الغرف المكيفة أو من الدول التى دعمتكم لحساب أهدافها، ضمت الوثيقة عناوين أخرى براقة كضمان الحقوق والحريات، وهى التى أكد عليها الدستور ولا يستطيع نظام قادم أن يتجاهلها أو يقفز عليها، والحديث عن الأمن الإنسانى وتقوية المجتمع المدنى وإصلاح المؤسسات، والغريب هذه المرة أنهم يحاولون استمالة أبناء هذه المؤسسات بالحديث عن أنهم لن يأخونوها ثانية، والتأكيد على تدعيمها بالشرفاء والكفاءات من أبنائها، كلام جميل ومؤثر لكنه فى النهاية مجرد حيلة، تخرج بها الجماعة من مأزق الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه والتعهد بعدم العودة إليه، فليس الإنكار فقط هو أزمة الجماعة، ولكنه أيضا عدم الشعور بفروق التوقيت، الذى يجعلها دوما تدرك على نحو متأخر، ما لن يفيد إدراكه أو فعله فى النهاية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة