للفنان محمد العزبى أغنية جميلة لعلها هى الأغنية الأخيرة التى غناها هذا الفنان الكبير قبل رحيله، كان صوته صادقا حانيا منذرا، وكأنه يريد أن يقول لنا حكمة النهاية، أو كأنه يريد أن يطلق نفيرا لكى لا نقع فى الغفلة، فنقعد ملومين محسورين، يقول العزبى فى الأغنية: أصحى فتح عنيك.. فتح ده العين عليك.. غمضت العمر كله خدت إيه؟ راحت منك حاجات ولسه بتروح حاجات.. وعينيك مش عاوزه تاخد بالها ليه؟ لكن الفنان الكبير لم يعش ليعاصر الوقت الذى يعتبر البعض فيه النظر «خطيئة» والرؤية ذنبا لا يغتفر، واليقظة رجسا من عمل الشيطان.
نعم ربما يكون فى النوم راحة، وربما يصبح اليأس خلاصا، لكن الثابت أن من يرتضِ بالتخدير ساعة دون أن يعالج الآلام سيأتِ عليه يوم ليندم فيه على كل لحظة قضاها غافلا مستترا بالظلام.
تعبت؟ نعم ربما تكون قد تعبت بالفعل، فقد عشنا سنوات نناضل من أجل حرية النضال، ولما تحقق شىء من هذه الحرية كان من المحتم علينا أن نناضل مرة أخرى من أجل تحقيق المطالب التى كنا نحلم بها، لكننا للأسف فوجئنا بما كان يجب أن نتوقعه، فتكالب علينا أصحاب المصالح من كل حدب وصوب، هذا يريد أن يحتفظ بممتلكاته، وهذا يريد أن يحتفظ بنفوذه، وهذا يريد أن يضاعفهما، فبدلا من أن نجاهد من أجل إرساء مبدأ تسليم السلطة أصبحنا نجاهد من أجل تسليم الدولة.
أرادوا أن نجلس فى غرفة مظلمة، فجلسنا فى غرفة مظلمة، صارت الغرفة كابوسا، أصوات الحيوانات فى الخارج تعوى فيضاعف الخوف، فئران الداخل هى أيضا صارت تلعب فى أقواتنا وأرواحنا فأصبح الخوف خوفين، حددوا لنا ماذا نأكل وماذا نشرب ومتى نقبل زوجاتنا، فقبلنا، قالوا «ظرف طارئ» فقلنا «ظرف طارئ».. قالوا من أجلك أنت.. فقلنا من أجلنا نحن» قالوا نحن نعرف وأنتم لا تعرفون، فقلنا «أنتم تعرفون» لكن المؤلم هو أنهم يريدوننا أن نعيش دوما فى «ظرف طارئ» وأنهم يريدون أن يقطعوا أفواهنا وألسنتنا، وأنهم يريدون أن يحتكروا المعرفة إلى أبد الآبدين، أما نحن فصرنا مقتنعين بالظلمة مستأنسين بأصوات الحيوانات ودبيب الفئران، حتى أصبحنا نخاف من الضوء وكلما فتحت لنا نافذة أغلقناها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة