أهم مزايا الرئيس جمال عبدالناصر أنه رفع كرامة المصريين عالية فى السماء، ولا ننسى عبارته الشهيرة «ارفع رأسك يا أخى فقد انتهى زمن العبودية»، فعشقه المصريون لأنه حرك فيهم روح الإحساس بالوطن، وكان المصرى محترما ومرحبا به أينما ذهب لأنه من «بلد ناصر»، ولكن لم يستمر ذلك طويلا بعد نكسة 67، واستشراء نفوذ مراكز القوى، وضيق الهامش الديمقراطى، ولم يتحمل قلب عبدالناصر الأزمات الرهيبة والتحديات الصعبة فأسلم الروح وانتهت تجربة رائعة كان يمكن أن تضع مصر فى مصاف الدول المتقدمة، وتتيح لشعبها فرصا أفضل فى الحياة.
وأهم مزايا الرئيس السادات الدهاء، والحكمة، وهدوء الأعصاب، فسبق عصره واستطاع أن يعبر بالبلاد من نفق الهزيمة، وخطط لإنشاء دولة ديمقراطية حديثة تقوم على التعددية الحزبية، ولكن خطيئته الكبرى هى إطلاق الوحش من القمقم، فتحالف مع الإخوان، متوهما أنهم يمكن أن يكونوا حلفاءه فى مواجهة أعدائه التقليديين من الناصريين والشيوعيين واليساريين، وعندما أفاق وأعلن ندمه وخطأه فى إطلاق سراحهم من السجون، لم تمهله رصاص الغدر طويلا، واستشهد يوم الاحتفال بنصره العظيم، تاركا وراءه ذئابا متعطشة للدماء، تعوى وتقتل وتهدد أمن وطمأنينة الناس.
أما الرئيس مبارك فقد كانت البدايات عكس النهاية، تسلم وطنا مأزوما ومسخنا بالجراح، فقاد حربا لا هوادة فيها ضد الإرهاب، وبذل جهودا كبيرة فى التنمية والبناء، ولكن خطيئته الكبرى كانت فى عصابة الرأسمالية المتوحشة الذين استثمروا السلطة فى اقتناص الثروة، وسخروا المناصب والقوانين والقرارات لخدمة مصالحهم الشخصية، فامتصوا ثمار التنمية، وحرموا منها بقية الشعب، وعجلوا بانهيار النظام فوق رؤوسهم وفوق رأس مصر كلها، ولن تُكتب السلامة لمصر، ولن تنصلح أحوالها إلا إذا استوعب الرئيس القادم هذا الدرس القاسى، وسخر حكمه لخدمة الطبقات العريضة والفئات الأولى بالرعاية، دون انحياز لقناصة الثروة والسلطة.
مصر أيضاً تحتاج رئيسا يتصالح مع مزايا الرؤساء السابقين، ويتخاصم مع عيوبهم، رئيس يعبر بها بحور المحن والأزمات، ويعيد هيبة الدولة وسطوتها وكبرياءها، فلا أمان لهم مع دولة ضعيفة مترددة، ونجاتهم فى دولة ديمقراطية حديثة تحترم إرادتهم، وتصون حقوقهم، وتفتح أمامهم سبل الأمل والحياة الكريمة، فلا يهُان مصرى فى بلده حتى تُصان كرامته فى بلاد الآخرين، فالبداية الحقيقية استحضار روح مصر عالية الهامة والقامة التى يحبها شعبها، ويدافعون عنها بأرواحهم ودمائهم، ويقطعون الأصابع القذرة التى تتآمر، وتقتل، وتفرط فى ثوابت دولة تضرب جذورها فى أعماق التاريخ، لا أتصور أن الحرب ضد الإرهاب ستكون التحدى الأصعب أمام الرئيس القادم، فالحسم قادم وإن استغرق بعض الوقت لسبب مهم هو التحام إرادة الشعب والجيش وأجهزة الأمن على هدف واحد هو عدم السماح للجماعة الإرهابية بالعودة من جديد إلى المشهد السياسى، بعد السنة السوداء التى اكتشفوا فيها بأنفسهم كل صنوف التآمر والإجرام والخيانة العظمى من المعزول وأهله وعشيرته، فمصر ليست وطنا يعيش فيهم، بل مجرد شقة مفروشة ينطلقون منها إلى أطماعهم الضائعة، نحو الخلافة والجاه والسلطان والحكم بالسيف والجلاد، ولا مانع لديهم أن يرهنوها أو يقايضوا عليها، أو يفرطوا فى سيادتها وترابها الوطنى.. ولا شك عندى أن القادم أحسن، «ويا جبل ما تهزك ريح».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة