انتفاضة يناير الرائعة لم تبدأ كثورة بقدر ما كانت فى بدايتها دعوة إصلاحية غاية آمالها تغيير السياسة الشرطية وحل مجلس الشعب المزور وتعيين نائب لرئيس الجمهورية، مع التأكيد على فتح باب الحرية لانتخابات حرة ونزيهة، وهذا كان امتدادا لحركة سياسية نضالية دُشنت بإعلان حركة كفاية عام 2004، وطوال أيام ما قبل سقوط مبارك زاد الزخم الثورى وتعمقت الحركة الجماهيرية وارتفع سقف المطالب فكان شعار إسقاط النظام، وسقط الشكل الخارجى للنظام، ولكن لغياب التنظيم والرؤية والآليات الثورية تحول هذا الحدث العظيم إلى ثورة حالمة، إضافة إلى تشتت القوى الثورية وضعف الأحزاب السياسية فكان من الطبيعى أن يُختطف الحدث من قبل جماعة الإخوان بمساعدة باقى التيار الإسلامى مستغلين حالة التدين المصرى وغياب الدولة عن مجمل الخدمات الجماهيرية، فتوقف المسار الثورى عملياً، وتم إقصاء الكوادر الثورية فعلياً، فكانت هبة 30 يونيو استعادة لروح الثورة وتم إسقاط النظام حفاظا على الهوية المصرية واستعادتها، ولكن ظلت حالة غياب التنظيم والرؤية الثورية قائمة فتحولت الثورة الحالمة إلى حالة إصلاحية بزخم أعلى وإرادة جماهيرية أوفر وقدرة على الحراك الجماهيرى أوسع، وإن كان يحتاج إلى قدر كبير من التنظيم، وهذا بلاشك أكبر وأعمق من المطالب الإصلاحية التى بدأت أواخر حكم مبارك، ونحن الآن أمام مشهد سياسى متعدد الصور، أولها مشهد استكمال الشرعية الدستورية بعد استكمال انتخابات الرئاسة والبرلمان مع تصور حقيقى وعملى أن هذه الشرعية الدستورية تسير فى الطريق الإصلاحى التراكمى كما هو معلن ومعروف، الصورة الثانية دعوة للثورة المستمرة طوال الوقت مع غياب النية والرؤية والقدرة على تكوين تنظيم ثورى، بل عدم القدرة على إيجاد حزب أو تنظيم سياسى له جماهيرية حقيقية فى الشارع يقود مسيرة الثورة، بل الأهم أن الخلافات بين فصائل المنادين بالثورة ارتفعت إلى أن تم تحويل الخلافات الثانوية إلى خلافات استراتيجية تنقلنا إلى الصورة الثالثة وهى تلك التنظيمات التى تدعى عودة الشرعية فى الوقت الذى تمتلك فيه هذه القوة تنظيمات موجودة على الأرض حتى وإن كانت أقل قدرة من السابق، ولكن قد أصبح لها غطاء إرهابى يمثل خطورة على سلامة الوطن، فهل سيظل هذا الصراع المصنوع بين دعاة الثورة وبين الحالة الإصلاحية التى يفرضها الواقع العملى نتيجة لمعطيات المشهد السياسى الواقعية والعملية على أرض الواقع؟ الثورة حلم لا يتحقق بالشعارات الجوفاء والتخيلات الواهمة، ولكن الثورة تتحقق بالنضال الدائم والعملى من خلال التنظيم والعلاقة المباشرة والعضوية بالجماهير وليس بنضال الإعلام والصالونات مع العلم أن الحركة الإصلاحية الحقيقية التى تنطلق مع إرادة جماهيرية أصبحت تفرض نفسها على الجميع يمكن أن تحقق بالتراكم تغييرا مطلوبا يجعلنا نؤجل خلافاتنا حتى تخرج البلاد من هذه المرحلة الانتقالية الاستثنائية، خاصة ونحن فى حالة حرب مع الإرهاب الذى سيستفيد من حالة الصراع المصنوع هذا، وأضعف الإيمان هل يمكن أن يتم التوحد والتوافق مع كل القوى السياسية «بعد قراءة المشهد قراءة صحيحة» على أجندة ثورية وطنية مع تأجيل الصراعات والمصالح حتى يتحقق الاستقرار وتسير الأمور فى طريقها الصحيح؟ أم سيظل الصراع وتأجج حرب المصالح باسم الثورة والوطن؟ الثورة والوطن والجماهير فى احتياج للتوحد والتوافق حتى نواجه الإرهاب ونحافظ على مصر لكل المصريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة