عندما طلبت من الرئيس عدلى منصور فى لقائه بالمثقفين أن يوسّع دائرة الحوار ويلتقى بعدد من المفكرين (دون أن أُسميهم) الذين كانوا فى خندق 30 يونيو ثم افترقت بهم السُبُل بعد 3 يوليو، كان الاسم الأبرز فى ذهنى هو عبدالرحمن يوسف.. الشاب الذى التقيته لأول مرة فى مطار القاهرة عام 2007 مع عدد كبير من نبلاء حركة كفاية فى انتظار الدكتور عبدالوهاب المسيرى العائد من إحدى رحلات علاجه.. عرّفنى بنفسه هكذا «عبدالرحمن يوسف.. شاعر»، ودونتُها هكذا فى هاتفى ساخرا ومعتقدا أنه واحد من أدعياء الشعر الذين فاضت بهم مصر فى العقود الأخيرة، بعد ذلك بعدة شهور فوجئت به يتألق شعرا وإلقاء فى إحدى فعاليات كفاية فى نقابة الصحفيين فكدت أطير فرحا بعد أن كدتُ أفقد الأمل فى أن تُخرج لنا مصر شاعرا ينظم شعر الفصحى الموزون المُقفى، ويزيد على ذلك بمهارة الإلقاء وتوطدت علاقتى بعبدالرحمن يوسف من وقتها، بعد ذلك بحوالى عام عرفتُ بالصدفة أنه ابن الشيخ يوسف القرضاوى إمام الوسطية وقتها ولم يكن معظمنا يعرف ذلك، إذ كان عبدالرحمن حريصا على أن يشق طريقه بموهبته فقط وليس مجاملة لأبيه.. ازداد حبنا لعبدالرحمن عندها إجلالا لأبيه (ومن منّا لم يكن يوقّر الشيخ الجليل؟).
كان عبدالرحمن فى القلب من معارك مصر ضد الفساد والاستبداد فى العقد الأخير من نظام مبارك.. هو واحد ممن جهروا بكلمة الحق عندما صمت الكثيرون.. شيئا فشيئا اكتشفنا أن هذا الشاب أكبر من مجرد شاعر.. هو مثقف رفيع المستوى.. وكاتب متمكن من أدواته.. وخطيب مُفوه.. وفنان عاشق للعود وهو فى كل هذا مصرى حتى النخاع (يا لبؤس الزمن الذى نضطر فيه للتأكيد على مصرية عبدالرحمن يوسف؟!).
أشهد أن عبدالرحمن يوسف من الصناع الحقيقيين لثورة 25 يناير ولا يُنكر إلا جاحد دوره فى تنظيم الشباب قبل الثورة (الشباب الثوار الحقيقيون وليس أولئك الأدعياء الذين ملأوا الشاشات بعدها وأساءوا للجميع)، ودوره الحقيقى البطولى أكبر كثيرا مما جاء فى كتابه الوحيد عن الثورة «يوميات ثورة الصبار».
وبعدما تولى مرسى وإخوانه الحكم لم يقف عبدالرحمن على الحياد كثيرا وكان من أوائل من اكتشفوا فشلهم وإقصائيتهم، فبادرهم بالنقد الناصح أولا.. ثم بالهجوم الحاد الصريح إلى أن سقطوا.. وعندما أفتى الشيخ يوسف القرضاوى بعد 30 يونيو بأن مرسى هو الرئيس الشرعى، اختلف معه الابن البار الثائر وكتب تحفة أدبية فى صورة مقال تاريخى حقا بعنوان «عفوا أبى الحبيب.. مرسى لا شرعية له».
ما حدث بعد ذلك يدعو للأسى.. بدأ عبدالرحمن يتعامل مع ما حدث فى 3 يوليو بشك فى أنه انقلاب.. ثم تحوّل الشك عنده إلى يقين وأصبحت كل مواقفه تنطلق من هذه الرؤية وأصبح منصة للهجوم الحاد على كل ما يصدر من جانب سلطة 3 يوليو (سلبا أو إيجابا)، وأمسك قلمه تماما عن نقد ما يصدر من جانب معارضيها، بحيث بدا لمن لا يعرفه وكأنه فى خندق أنصار مرسى أو تنظيم القاعدة مع أن كل من يعرف عبدالرحمن يعلم يقينا أنه ليس منهم فى شىء.
أتفهّم وأعذر عبدالرحمن إذا تألّم لخلط بعض مهاجميه بين موقفه وموقف أبيه.. وهو خلط ظالم وغير موضوعى، فضلا على أنه ضاغط على أعصابه كشاعر وهو من قبل ومن بعد إنسان ذو مشاعر ولكننى بصراحة أرى أنه ظلم نفسه بهذا الإمساك عن إدانة ما يستوجب الإدانة الصريحة مثل العمليات الإرهابية والعمل على تفتيت أو تدمير الجيش (كيانا وأفرادا).
قال عبدالرحمن لى ولغيرى إنه حزين لأن رجالا وطنيين من أصدقائه ممن يعرف أنهم لا يسعون لسلطة ولا مغانم كعبدالجليل مصطفى ومحمد المخزنجى يقفون مع (الانقلاب).. يا أخى العزيز، أليس هذا فى حد ذاته أدعى لأن تُراجع نفسك؟.. نحن كما تُحسن الظن بنا لم ولن نتغير.. ولا زلنا كما عهدتنا.. ننتقد أخطاء أى سلطة ونناضل من أجل تصويبها.. أما إذا كان الوطن نفسه مستهدَفا ومُهدَدا فموقفنا الطبيعى دون تردد هو أن نصطف مع نفس السلطة التى ننتقدها ونناضل من أجل تصويبها.. نحن نُبصر بوضوح الفارق بين أخطاء الدولة وخطايا من يسعون لهدمها.. مصر التى نعشقها وتعشقها مُستهدفة يا أخى العزيز (إلا إذا كنت لا ترى ذلك).. تذكّر أننا قمنا بالثورة لنُقيم دولة لا لنهدمها.
وإذا كنت عاتبا على عبدالرحمن يوسف، فإن عتابى يمتد لنفسى ولآخرين من الأصدقاء الذين يرددون دائما مثلى مقولة أحمد لطفى السيد: «الخلاف فى الرأى لا يُفسد للود قضية».. فقد اكتشفت أن الواقع غير ذلك تماما.. فالود هو أسرع وأوّل ما يفسد بين معظم أهل السياسة والنضال فى مصر مع أول بادرة اختلافٍ فى الرأى.. حتى وإن كانوا فى خندق واحد.. ألا نستطيع أن نختلف دون أن نُخاصم ونقاطع؟.. إذا ضاقت صدورنا بآراء مخالفينا فى الرأى سنتحول تدريجيا إلى نسخة من النظم التى ثرنا عليها.
أنا أختلف مع معظم ما يردده عبدالرحمن الآن، لكننى فى الوقت نفسه أرفض ما يتعرض له بسبب موقفه.. هو الآن ممنوع من الكلام ممنوع من السفر (على رأى أحمد فؤاد نجم).. فأبواب الجرائد والفضائيات موصدة فى وجهه.. مع أننا نعلم أن الحظر هو أسرع وسيلة للانتشار مثلما حدث مع أعمال نجم وإمام حين لم يكن هناك وسائل تواصل اجتماعى، فما بالنا الآن؟.
يتعرض عبدالرحمن لهجوم من كثيرين.. أستثنى منهم أرامل نظام مبارك من المستفيدين بفساد نظامه واستبداده، فهؤلاء لا يُعادون عبدالرحمن بذاته وإنما يعادوننا كلنا، وهؤلاء ثأرهم معنا معروف ولن ينتهى وهم أتفه من أن ننشغل بهم.. لكن خطابى موجه لأولئك الشرفاء من الأصدقاء الذين تحوّل اختلافهم معه إلى خصومة ثم تحولت الخصومة إلى اعتزال (متبادل).. هم يعتزلونه وهو يعتزلهم ويعتزل المنتديات العامة.. عبدالرحمن منّا أهل الثورة.. كان معنا ضد استبداد مبارك وفساد نظامه وظل معنا ضد فشل نظام مرسى وفاشيته.. ثم اختلفت رؤانا.. اختلافنا معه الآن واجب ولكن تواصلنا معه فرض.. لا تعتزلوه وإن اعتزلكم.. وسأبدأ بنفسى.. لى عنده إفطار قديم وَعَدَ به ولم يف بوعده.. سأذهب إليه لآخذ حقى منه غصبا.. وسأدعو معى شركائى فى هذا الحق: أسامة غريب وعلى الحجار ومحمد المخزنجى (أبجديا). وسأسمح لنفسى باصطحاب آخرين ممن يختلفون معه ويختلف معهم ولكنهم يُقدرونه كما يقدرهم.. أصدقائى الأعزاء: لا تنسوْا الفضل بينكم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة