يوسف الحسينى

عصير العبط

السبت، 19 أبريل 2014 06:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أتذكر جيدا مقالات أو قل عصائر الكاتب والروائى الرائع علاء الديب، حين كان يكتب «عصير الكتب» فى زمن ضن على المواطن بثمن كتاب قيم يقرأه، فكان علاء الديب، أمد الله فى عمره، يفيض علينا من كرمه المعهود بقراءة عشرات الكتب، ويقدم خلاصتها فى مقاله الأسبوعى، ليعوضنا عما بخلت به الدولة علينا من كتاب مدعوم، أو طبعات شعبية، ويمر الزمان ويفعل معنا أفاعيله المرة، فتتطور الدولة من مجرد الدولة البخيلة المستبدة بشعبها لتصبح فى خيبة دهرية دولة عبيطة، وللعبط تعريف فى معاجم البسطاء، ولعل أغلب القراء يعلم عن مدى شغف الكاتب بالتعريفات وإيثاره البعد عن لغط الكلام، فالشخص العبيط عند جمهور البسطاء هو ذلك الشخص الذى يفعل فعلته ظنا منه أنه فاعلا للصواب المطلق، حائلا دون وقوع الضرر ومعليا لقيمة الحكمة، إلا أن فعله ذاك فى نهاية الأمر لا يجر سوى تراتبية من الأخطاء التى يتخطى ضررها نواتج الفعل الذى حال دون إجرائه، فبهذا يوصف الشخص بكونه عبيطا، أو ينعت بالأبله، وقد يذهب التعريف السابق ليحيط بمجموعة، أو بشخصية اعتبارية، فنقول مؤسسة عبيطة، أو حكومة عبيطة، أو حتى دولة عبيطة، وهذا ما يظنه الكاتب فى حق الدولة خلال الآونة الأخيرة، حتى من خلال التعاطى مع شأن سياسى غير مباشر، مثل القضايا الفنية، وإليك سيدى القارئ وسيدتى القارئة كيف تعاملت الدولة مع فيلم «حلاوة روح» الذى هو تمصير ركيك للفيلم الإيطالى مالينا، وبالقطع فإن هيفاء وهبى ليست فى عشر موهبة مونيكا بيلوتشى، إلا أن سحب الفيلم بعد عرضه ليعود للرقابة يضعنا فى إطار الدولة العبيطة، وحتى لا يلتبس الأمر فإن هذا الفيلم «حلاوة روح» وبعيدا عن تقييم تكنيك صناعه فهو فيلم مسف، وتمصير فج لمالينا الإيطالى، حتى يستريح ضمير الكاتب، وحتى يستطيع القارئ أن يتفهم السطور القادمة دون تشنج، فالمسألة هنا ليست فى فجاجة الفيلم، وإنما ما يشغل عقل الكاتب هو كيفية تعامل أجهزة الدولة بعبط مع المشكلة.

مالينا الإيطالى كان أرقى فى لغته السينمائية بمراحل من «حلاوة روح» المصرى، ورغم هذا فلم يرق للقطاعات الأوسع من الجمهور الإيطالى، وهو ما دفع بالبرامج الحوارية الشهيرة على الشاشات الإيطالية لتقوم (بتعبير مصرى دارج) بالمسح بصناع الفيلم الأرض، وهنا تبرز المشكلة الرئيسية وهى ليست فقط فجاجة الفيلم المصرى ولكن تكمن فى أن الدولة قررت أن تمارس أبوية سقيمة (بابا وماما وأنور وجدى)، وأن تصبح ولى أمر الشعب، وعليه تفرض وصايتها على ما يشاهد أو ما يمنع من مشاهدته، وهكذا قد يذهب بنا الحال لمنع فيلم بحجة سياسية، وقد نستمر فى هذا المنوال فى إطار رجعى، لو نظرنا بعين الإنصاف وافترضنا أن تنظيم الإخوان فى فترة حكمهم كانوا قد قاموا بنفس ذات الفعلة، بالقطع لم يكن سيتركهم الإعلام والصحافة، وربما أصدرت جبهة الإنقاذ بيانا حول مدى الخطورة التى باتت تهدد حرية الرأى والتعبير، ولا يستبعد أن تحل هيفاء وهبى ضيفة على شاشات التلفزة بوصفها أحد رموز الحرية!! لكن الآن، الحكومة على هوانا -الكاتب يقدر ويحترم المهندس إبراهيم محلب– إذن فلنبلع لها الزلط، وهنا يظهر السؤال الأبرز حول هذه المسألة.. أين الحل؟! يظن الكاتب أن بتر العضو المصاب لا يفيد سائر الجسد، فلا أنت شخصت المرض ولا حتى عالجت العرض، وبالمثل فإن الإجراء السليم هو منع عرض الفيلم تلفزيونيا، وبهذا تقطع عن صناع الفيلم القسم الأكبر من الأرباح، ويصبح هذا قانونا، فيحد من القدرات الإنتاجية المستقبلية لهذه النوعية من الأفلام، مع تحديد فئة عمرية لمشاهدة الفيلم فى دور العرض، وتطبيق القانون بعدم السماح لمن هم دون السن بالحضور وهم بالقطع الجمهور الرئيسى لهذه النوعية أيضاً وهكذا تقطع رافدا ماليا آخر، وعلى صعيد آخر تقوم الصحافة المكتوبة والمرئية بدورها الأخلاقى تجاه الإسفاف، ويتمسح بالفيلم الأرض فى البرامج، أما الدولة فعليها أن تعمل على دعم صناعة سينمائية راقية وجذابة ترفع من وعى المتلقى وذوقه، وبالتالى تموت هذه النوعية من الأفلام، نظرا لتضاؤل الشريحة المستهدفة، ولن تجد لنفسها مكان عرض سوى مقاهى الدرجة الثالثة، أما عن ابنك وابنتك فهم فى نطاق مسؤوليتك المباشرة ويخضعون لما تقدمه الدولة، فإن توافرت لهم أسباب التربية على التذوق الفنى الرفيع فبكل تأكيد لن يضيع أحد منهم مالا أو وقتا فى سبيل مشاهدة فيلم متدنى القيمة، أما فى إطار الضجيج الحكومى حوله، لن يصبح أمام صناعه سوى طباعته على «DVD»، ويتم رفعه على اليوتيوب بسبب دعاية غير مباشرة قامت بها الحكومة بمنتهى العبط، والخلاصة أنه فيلم مبتذل، وقرار الحكومة لا يقل عنه ابتذالا.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة