محمد منير

«المبتسرون»

السبت، 19 أبريل 2014 10:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لست من هواة الخوض فى صراع الأجيال، وانتقاد الشباب وتمييز الأجيال السابقة على الأجيال اللاحقة، فأنا من المؤمنين بالسياق وتتابع الأجيال، ولست مؤمنا فقط بهذا، بل هو موقف عملى أمارسه فأنا أعتقد أن آفة مصر وسبب انهيارها فى الفترة الأخيرة يتلخص فى الهوة المتعمدة بين الأجيال، وهى الحالة التى جعلت المجتمع المصرى معلقاً فى الهواء بدون أساس تراكمى من القيم والخبرات يستند عليه، فأصبح مثل الكرة الهوائية السابحة فى فراغ منعدم الجاذبية، تتقاذفه أيادى العابثين من أصحاب المصالح الضيقة المنظمة.

المغرضون لم يفلح أسلوبهم مع الأجيال السابقة لما تحمله من خبرات تكشف مخططهم، فأوعزوا لبعض الشباب مستغلين ضعف خبراتهم والسطحية الثقافية المفروضة عليهم طوال عشرات السنوات الماضية، بأن صراعهم الرئيسى مع الأجيال السابقة ومع الماضى ومع التاريخ، وأن التمرد عليهم هو جوهر الموقف السياسى الصحيح!!، وهو ماأدى إلى خلق حالة من التجاهل لأسباب الأزمة الحقيقية فى مص، وغض النظر عن تجمعات الانتهاك والاغتصاب وجماعات الضغط التى تسيطر على المجتمع، وتقودة فى اتجاه مصالحها، وفى نفس الوقت، قطع أى جذور تغذى حركة التمرد الثورى للأجيال الجديدة لإضعافها والسيطرة عليها.

بات شائعاً أن تجد شابة أو شابا منفعلا حول مشكلة مطالبا بأخذ موقف تجاهها، وهو لا يعلم عن أصول هذه المشكلة أكثر من عنوانها، بل الأدهى أنه يعتبر أن التثقف والمعرفة بجذور أى مشكلها وأسبابها، بهدف البحث عن وسيلة للقضاء عليها، هو درب من العبث، وتضييع للوقت، فهم يريدون أن يعيشوا لحظات ثورية منفعلة، يكيلوا خلالها الاتهامات لكل من حولهم غير مفرقين بين مراكز أطراف المشكلة، وخالطين بين الجانى والمجنى عليه، وهو تماماً مايريده المغتصبون، وهو تماما ماحدث عشية حركة التمرد الواسعة عام 2011 عندما حاول النظام المستهدف بالتمرد فصل الشباب عن بقية المجتمع المشارك فى التمرد، باعتباره المالك الوحيد لحركة التغيير، وكان الهدف تفريق حركة المعارضة، وقطع طريقها إلى الثورة الحقيقية، وهو مانجح فيه بفعل جيل للأسف مبتسر، لم يكتمل نموه الثقافى، فأصبح مثل الصخرة التى تطير بعشوائية وعنف فى الهواء، فتقتل وتصيب كل من يقابلها دون تحديد أو تمييز.

لا أبرئ نفسى، فنحن مسؤولون عن عدم الحفاظ على الحوار الإيجابى بين الأجيال، ونتحمل جزءا من المشكلة، ولكنى لا أريد أيضا أن يرتكن الشباب على علة أن الجيل السابق لم ينقل إليهم الخبرات، أو لم يسلمهم الراية بطريقة سليمة، فأنا أيضاً اتهم بعضهم بالاستجابة لمخطط النظام الفاسد الذى غذى ذواتهم وضخمها، وحوّل صراعهم من المسار الصحيح إلى مسار ضيق، وصراع مدمر لأى حركة معارضة للنظام الفاسد، وبالطبع هو نضال أكثر امتاعاً، وأكثر نشوة من التعرض لآلام الموقف الصحيح والمواجهة الجذرية مع الفسدة والمغتصبين.

بالأمس القريب نظمت نقابة الصحفيين وقفة احتجاجية ضد الاعتداء على الصحفيين من قبل الشرطة.. المنطق يقول أن تتجه كل الفئات الصحفية للتعظيم من هذه الوقفة، حتى لوكان البعض يرى أنها غير كافية، والموقف الذكى أن تتجه كل موجات الغضب للتحالف والتكاتف، للتعظيم من موقف النقابة وتصعيده ليتجاوز حد الوقفات الاحتجاجية إلى موقف أكبر وأكثر فاعلية.. ولكننا فوجئنا بشباب مديرين ظهورهم للجانى والقاتل، ويهتفون بسقوط نقابة الصحفيين وأعضاء مجلس نقابة الصحفيين !!! بهدف إفشال الوقفة ضد انتهاكات الشرطة، وهو مالم تكن الشرطة تفلح فيه حتى لو استخدمت قوتها.

نظرت فى الوجوه فوجدت بعضا من زعماء هذه المجموعات المستغضبة تهتف بسقوط الجميع، فاندهشت بشدة، لأنى عملت مع بعضهم، وأعلم أنهم دخلاء على مهنة الصحافة التى أصبحت جاذبة لكثير من العاطلين، لما بها من الامتيازات المادية والمعنوية، وعلى رأسها البدل المادى الذى تمنحه الدولة لأعضاء النقابة، شاب من هؤلاء كان يلهث عندما يكتب جملة نضطر بعد لهثه وعنائه فى كتابتها، أن نعيد كتابتها ليضع اسمه على منتج لا يعلم عنه أى شىء، ولا تسألونى عن السبب، هى قواعد مهنية منهارة فرضت نفسها على كل الواقع الصحفى المصرى.

هذا الشاب وأمثاله يتزعمون حركة التمرد على النقابة باعتبارها نقابة انتهازية، ويطالبون بسقوط كل من حولهم، بدلاً من أن يساهم فى توحيد طاقة الغضب وتشكيل موقف موحد، هذا النوع من البشر ولا أقول الشباب، لأنهم موجودون فى كل العصور والأزمنة، هم دعاة تفرقة وفوضى بهدف التغطية، إما على علة أو على نقص داخلهم، أو بهدف الاستفادة من الموقف، مثل فرض تعيين بعضهم بالمؤسسات الصحفية بصرف النظر عن الكفاءة، والتمتع ليس بمظلة الحماية النقابية، إنما بالبدلات والامتيازات، واتحدى أى شاب من هذا النوع، وليس كل الشباب، أن يقف فى مناقشة هادئة لعرض رؤيته السياسية، وأؤكد أنه لن يقل أبعد من كلمات غنائية مبتذلة.

أما عن القيادات الإعلامية الوسيطة والمسؤولين عن إدارة المؤسسات الصحفية، فهم أصحاب المصلحة فى هذه الفوضى، وأصحاب المصلحة فى تصدير أزمات للنقابة الرقيبة على أدائهم وعلاقاتهم بالعاملين معهم، والمدهش أن الشباب مدعى الغضب، والذى يطالب بسقوط النقابة، لم يوجه أى احتجاج للمؤسسات التى تدفع به للعمل الخطر دون أى ضمانات حقيقية، ومقابل أجور هزيلة، وعندما سألت أحدهم، لماذا لم تحتج على جريدتك المسؤولة عن توفير وسائل حماية لك.. رد «أخشى من الفصل».. إذن هو يريد «نضال فى الوسع» دون التعرض لمخاطر، وهو ما يستلزم غض النظر عن أسباب المشكلة الحقيقية، وتوجيه الغضب إلى الساحة الأكثر مظهرية، وظهورا دون التعرض لأى مخاطر، الضمانة الوحيدة هى أن يتجه أصحاب المصالح المنتهكة بغضبهم إلى المسؤولين عن ذلك وتساعدهم نقاباتهم، لا أن يحملوا النقابة المسؤولية دون مواجهة الجانى الحقيقى.. النقابة ياسادة تعبير عن أصحابها وتعبير عن جهودهم وفعلهم، وليست وكيلاً عنهم.

كما قلت لا أبرئ نفسى.. ولا أحمل كلامى على كل الشباب فهناك شباب واع ثورى بحق، يهتف ويواجه الظلم بكل قوة فى الميدان الحقيقى، وفرق كبير بين من يطالب بسقوط النظام فى الشارع والميدان وبين الذى يطالب بسقوطه فى ناد أو نقابة بهدف الابتزاز، والحصول على امتياز فى المكان، المناضل الحقيقى فى الشارع، والنقابات للدفاع عن المصالح المهنية المحدودة بأصحابها.

فى النهاية حديثى كان فقط عن «المبتسرين» غير مكتملى النمو.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة