هل تربيت فى أرياف هذا الوطن أو حتى لك جذور ريفية قريبة من نشأتك طفلا، إذا كانت الإجابة بنعم وسواء كانت جذورك الريفية تنتمى لصعيد البلاد أو ومحافظات الشمال الذى يبدو أكثر سعادة أو حتى إن كنت من أبناء بداوتها الرائعة إذن فأنت تعرف إبليس «الشيطان» حق المعرفة، لأنه كان مخلصك من كل خطأ وقعت فيه عندما كنت طفلا وليس ذلك الخلاص بمعنى معرفة طبيعة الخطأ وتفهم الدرس والاستفادة ثم التوبة والتعهد بعدم تكرار الخطأ بل والعمل فيما بعد على إصلاحه، ولكن هذا الخلاص السهل الذى يندرج تحت إلقاء اللوم على هذا الإبليسية اللعين الذى زين لك الخطأ فوقعت فيه دونما قصد منك، وليس من وراء ذلك غاية لك ترتجى، وتجد نفسك بعفوية الاستسهال البغيض تنطق بجملة «مش أنا.. ده الشيطان هو اللى خلانى أعمل كدة» وهنا تجد جدك يربت على كتفك باسما وهو يقول «خلاص، استغفر ربنا وما تعملش كدة تانى» يا سلام، ما أسهل ذلك وما أفدحه ولعلك أيها القارئ الرائع - سيشرح لك الكاتب فيما بعد لماذا أنت رائع - تتعجب من ربط ذلك بالنشأة الريفية!.
وهنا لا يجد الكاتب مناصا من أن إبليس اللعين هو سبب الشرور التى حاقت بنا جميعا وأغرقت البلاد فى أعاصير من فوضى الصخب والتلاسن ولطخها بدماء أبنائها طالما أن نخبة هذا الوطن «أشباه المثقفين» اصطلحت فيما اصطلحت عليه ومتفقة مع نخبة القائمين على الأمر «أشباه الحكام» أن الجانى والفاعل وراء كل ما حدث خلال أطول ثلاث سنوات فى تاريخ مصر الحديث هو مجهول، يفعل فعلته ويختفى دون أن يترك أثرا إلا فى النفوس الباكية وبالتأكيد لا يستطيع فعل ذلك سوى شيطان مارد أو تراه يلاعبنا جميعا ونحن نقف أمامه فاغرين الأفواه فى بلاهة جديرة بالدراسة وكأن إبليس لاعب بلياردو محترف يجيد استخدام عصاه ضرب كرة واحدة لتصدم ثلاث كرات أخرى تنزل منها فى جيب من جيوب المنضدة الخضراء، فتجد شبابا يخلص لوطنه بتهور تغلفه السطحية يقيم فى الزنازين مجاورا لشباب يظن أنه يخلص لدينه فى جهل واضح بأمر من حكام مذعورين يتصورون فى أنفسهم الحكمة ولا تنقصهم الوطنية مما يخلق تلك الحالة الفوضوية التى لا خلق أو إبداع فيها، ولا تثير سوى صخب من التصفيق تارة والصراخ ألما أو إعجابا تارة أخرى، الثابت الوحيد هو أنها نتاج ضربة محكمة من إبليس الذى يحترف البلياردو، هل يريد القارئ الرائع مثالا أكثر وضوحا؟ إذن فلنعيد جميعا شريط ذكرياتنا الدامى إلى الوراء قليلا ونقف عند مذبحة بورسعيد حين استطاع إبليس أن يخلق الأزمة الثلاثية بين أهالى بورسعيد وبين جماهير النادى الأهلى ويخلق ثأرا تشتعل جذوته حتى الآن تحت ركام الأحداث وفى نفس الوقت يلصق التهمة بالجيش «الحاكم آنذاك» لتكتمل أركان ثلاثة لمثلث الفتنة، مثالا آخر نضربه للقارئة الرائعة - الكاتب يقدر المرأة - ولكن سنعود للوراء فى حادثة أقدم لنقف أمام مجزرة ماسبيرو لنجد شبابا ثائرا يمارس حقه فى التظاهر والاحتجاج وما يلبث أن يصل إلى المكان المنشود الذى يؤمنه الجيش حتى يبدأ الصخب ويسقط بعض المسيحيين قتلى وتظهر مذيعة - لا زالت تمارس المهنة - مستغيثة بالجماهير للدفاع عن الجيش - لاحظ الكارثة اللفظية فى الجملة السابقة - حيث أنه يتعرض للهجوم من قِبل الأقباط «من أوصل تلك المعلومة للمذيعة» هنا تكتمل الأركان الثلاثة للفتنة أيضاً فها هم الأقباط يهاجمون الجيش وها هو الجيش يقتل الأقباط ثم يظهر فى نهاية المشهد شباب مسلم «ملتحٍ كما يتبين من بعض مقاطع الفيديو المنشورة» ليدخل فى خضم الأحداث.
تلك هى ثلاث ضربات دقيقة وجهها إبليس اللعين الذى يحترف البلياردو ويسقط بها كرات ثلاث فى كل مرة وبالمقابل نقف جميعا منشدهين دونما أى محاولة لتحليل المشهد أو فهمه بل ونزيد على ذلك بصك مصطلح «الطرف الثالث» الذى هو مجهول دائماً ولا نخرج ولو بإشارة للفاعل وكأنما استسلمنا بشكل طوعى لفكرة أن هناك قوى خفية تحرك كل تلك الأحداث وسنكتفى بأن نصك مصطلحا جديدا فى حياتنا السياسية وهو أن «ابليس يلعب البلياردو» وبالطبع يبتسم القارئ الرائع الذى أنفق من وقته وماله فى سبيل قراءة بعض من السطور وقد يفكر قليلا رغم أن حكامه ونخبته لا يبلغونه روعةً، ثم يطوى صفحات الجريدة أو يتابع حسابه على «فيس بوك».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة