نعم أمن الشعب هو الأساس للحكم، ودونه لا حكم سوى لشريعة الغاب، الحاجة للأمن هى أقدس الحقوق التى تحفظ حياة الناس، وشرعية أى نظام سياسى مرتبطة بنجاحه فى تحقيق تلك الحاجة، وصدق الله العظيم إذا يقول "الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"، كرر السيد عبد الفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة، أن شرعية النظام السياسى مرهونة بنجاحه فى تحقيق أمن المواطن، وقال نروح نموت أحسن ولا يروع مواطن مصرى، فى إشارة إلى جماعة الإخوان والجماعات المتحالفة معها فى أعقاب مشهد خروجها من الحكم، بفعل شعبى سانده الجيش كالعادة، ولا يستطيع أحد أن ينكر التهديد الإرهابى الذى تتعرض له مصر من مجموعات القتل والظلام، التى تتمسح باسم الدين وتتحدث عن شرعية ما تفعله، انطلاقا من تأويل زائف وباطل لأحكامه، ونعتقد جميعا أن هذا الخطر رغم استهدافه لمؤسسات الدولة التى تحمى أمن الدولة والمواطن، وهى أجهزة الشرطة والجيش هو استهداف غير مباشر لحياة المواطنين وأمنهم، ونقدر ونثمن كل قطرة دم لضابط أو فرد فى الجيش أو الشرطة تراق فى سبيل مهمتهم المقدسة، هذا كما قلنا استهداف غير مباشر لحياة وأمن المواطنين باستهداف أفراد الأجهزة التى تحميهم، فماذا عن الاستهداف المباشر واليومى لحياة المواطنين من خلال عصابات الجريمة المنظمة، التى تسرق وتقتل الناس على الطرق السريعة وغير السريعة، فى غياب كامل لسلطة الدولة حكى لى صديقى أنه وفى طريقه لبيته فى شبين القناطر التى تبعد عن القاهرة بتسعة وعشرين كيلومتر، تعرض له بعض المجرمين واعترضوا طريقه وأخذوا سيارته ومحفظته وتليفوناته وذهبوا آمنين، ثم اتصلوا به ليخبروه أن بإمكانه استرداد سيارته بعد دفع إتاوة خمسة وثلاثين ألف جنيه ودفع الإتاوة لهم فى المكان المعروف للكافة وعاد بالسيارة، بعدها بشهر واحد اعترضوا طريقه من جديد فى مكان لايبعد عن نفس المكان سوى بكيلومتر واحد وأخذوا نفس السيارة وكل متعلقاته الشخصية، ليتصلوا بعدها ليخبروه أن بإمكانه أن يسترد السيارة بعد دفع نفس المبلغ السابق، لحظتها تذكر الرجل أنه على بعد كيلومترات قليلة من مركز الشرطة فذهب ليبلغ الشرطة وبينما هو فى القسم يحرر المحضر، اتصل به أحد أفراد العصابة ليسبه ويقول له مش بلغت الشرطة طب المبلغ زاد، بعد أن صب مزيدا من الشتائم لمقامه ومقام الشرطة الرفيع ليدرك الرجل أنه لافائدة من إبلاغ الشرطة.
خرج صديقى من القسم متجها بالمبلغ للعصابة فى مكانها المعروف، واستلم سيارته وعاد لينتقل من قريته إلى مكان آخر يبدو أكثر أمنا لأنه فى وسط العاصمة، تاركا أبناء قريته وقد باع كل منهم سيارته واشترى سيارة رخيصة الثمن يشترك مع أصدقاء له فى ركوبها حتى لا تكون مطمعا لهؤلاء، بينما فضل البعض أن يضعوا سياراتهم فى جراجات فى انتظار عودة الدولة من معركة الإرهاب، أنا قد أتفهم ما يحدث لو كانت الشرطة تنسق مع تلك العصابات من أجل إقناع المواطنين بترك سياراتهم الخاصة واستقلال المواصلات العامة، فى إطار خطة لتخفيف حركة السيارات الخاصة على الطرق كجزء من خطة عبقرية لحل أزمة المرور، ولكن ما لا أستطيع فهمه أن يكون لدينا جهاز للشرطة ويتم تجاوزه بهذا الشكل، ويذهب كل مواطن ليحل مشكلته بطريقته الخاصة فى رضوخ كامل لإرادة المجرمين، طبعا قد تبدو هذه القصة مكررة، وسيقول أكثر من قارئ أن المقال يتحدث عنى رغم أنى لم أذكر أسماء أى شخص ولكن أى مواطن من مواطنى هذه المنطقة أو غيرها من المناطق المشهورة بتلك الجرائم سيدرك على الفور أننا نتحدث عن أحد هذا الأماكن المنكوبة بسرقات السيارات اليومية، بل وقتل أصحابها فى معظم الأحيان إذا قاوموا تلك العصابات المسلحة بالأسلحة النارية، أى شعور بالانتماء أو الاعتزاز بهذا البلد سيبقى فى نفس مواطن تعرض لتجربة مماثلة؟ وأى شعور سيعترى أسرة انتظرت عائلها على طعام العشاء فعاد لها جثة هامدة دون سيارته لأنه أصر على أن يحمى ماله ومات شهيدا؟
أى شرعية ستبقى لأى نظام وكل الجهود متجهة لمقاومة عصابات الإرهاب دون عصابات الجريمة المنظمة ؟ التى تحولت إلى مايشبه الجيوش النظامية فى العلاقات بين أعضائها وبين بعضها البعض، هذه العصابات تمارس شكلا من أشكال الدعم المباشر لعصابات الإرهاب بتقاطع المصالح فى إضعاف وإسقاط هيبة الدولة، وهو ما تعرض لها السيد عبد الفتاح السيسى فى خطاب إعلان ترشحه عندما تحدث عن إعادة ملامح الدولة وهيبتها، وهذا توصيف دقيق للوضع الذى نعانيه، ما هى ملامح الدولة إذا كان المواطن لا يمضى على طريق يبعد عن القاهرة عشرين كيلومتر، دون أن يكون مهددا بفقدان ماله ونفسه .
قلنا مرارا، إن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مقدمة على الحقوق السياسية، دون إهدار لواحدة على حساب الأخرى وأول هذه الحقوق الحق فى الحياة، وعندما يفشل نظام فى صيانة هذا الحق وحمايته، عليه أن يتنحى للأقدر على حماية مصالح الناس، هل تنتظر الدولة أن يمضى كل مواطن وهو يضع فى سيارته سلاحا آليا يدافع به عن نفسه، أو يلجأ لتسليح أهله وعشيرته ليسترد حقوقه التى لم تدافع عنها الدولة الغائبة، التى طال غيابها بأكثر مما يحتمل الناس إن تأخر الدولة فى حسم هذا الملف بدعوى مقاومة الإرهاب، سينتج إرهابا أشد ضراوة على الدولة وعلى المواطنين، إن قوة التدخل السريع التى تم إنشاؤها لا يجب أن يختزل دورها فى مواجهة أوكار الجماعات الإرهابية، بل يجب أن يمتد لمهاجمة بؤر الجريمة المنظمة التى تعلم أجهزة الشرطة أماكنها ومستوى تسليحها، قبل أن نودع الدولة الوطنية الموحدة لحساب دولة الطوائف والعشائر، من الخطأ أن تؤجل حسم هذا الملف لحساب ملفات أخرى تبدو لدى النظام السياسى ذات أولوية فلا أولوية قبل حياة الناس الذين تعمل أى سلطة فى خدمة مصالحهم، هذا ملف لن ينتظر والوقت جزء من المشكلة، وصانع القرار يجب أن يعلم أن أمن الناس هو الأساس، وأى إبطاء فى معالجة هذا الملف قد يوسع من دائرة أعداء نظام لازال قيد التشكل، وليس بحاجة إلى مزيد من الإعداء وهو يواجه أوجاع وطن طالت معاناته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة