لم أعد أذكر اسم صاحبى وزميلى فى الثانوية الذى علمنى تدخين السجائر ربنا يسامحه، لكنى أحببتها من اللحظة الأولى، جاء الحب من أول نفثة من أول سيجارة، لكنه لم يكن حبا سهلا فبقدر حبى وإخلاصى للسيجارة بقدر ما كان ثمن التدخين غاليا. أذكر بعد نهاية أول يوم دراسى لى فى الجامعة خرجت مع أصحابى فرحا إلى باب الجامعة، كنت قد أصبحت رجلا كما صور لى عقلى الصغير، وكنت أدخن سيجارة تتدلى من جانب فمى حسب الموضة أيامها عندما فوجئت بأبى رحمه الله أمام وجهى وكان قد جاء لنعود معا إلى البيت!
بابا؟
فتحت فمى مرعوبا من الصدمة فسقطت السيجارة على الأرض تحت قدمى مباشرة، نظر «أبويا» إلى وجهى فى غضب وهو ينقل نظراته إلى السيجارة التى سقطت من فمى وسألنى
السيجارة دى بتاعتك؟! سادت لحظة صمت مرعبة.. لكنى على الفور رددت فى خوف: لا.. والله يا بابا، عاد أبى لينظر إلى السيجارة الملقاة على الأرض وكأنه لا يراها وكأنها غير موجودة.. واستدار وهو يقول لي: طيب.. تعال ورايا على محطة الأتوبيس يا فالح ولا عمرك حاتفلح. الله يرحمك يا أبى ليتك يومها ضربتنى أو حتى قتلتنى حتى لا أمشى بقية عمرى فى شارع الدخان، لكن هذا ما حدث وأصبحت السيجارة أقرب حتى من أصدقاء العمر، وذات يوم عدت من الأقصر بعد أن تابعت حادثا مؤلما فى الدير البحرى، حيث قتل الإرهابيون عشرات السياح، عدت إلى مكتبى وكتبت القصة كاملة، ثم فقدت الوعى وأنا جالس على المكتب!
نقلنى الإسعاف إلى المستشفى، اكتشف الأطباء أن ثلاثة من شرايين قلبى قد انسدت ولا بد من جراحة قلب مفتوح فى الخارج، سافرت إلى لندن وأجريت الجراحة بعدها فهمت من الدكتور الخواجة أن دخان السجائر كل هذه السنين هو سبب مصيبتى الكبرى، حذرنى الخواجة قائلا: إذا عدت إلى التدخين من جديد فأنت قاتل وسوف تقتل نفسك انتحارا بالدخان، أقلعت عن التدخين شهرا واحدا فى لندن عاصمة الضباب، حيث الحدائق أقرب إلى جنة، وعدت إلى القاهرة، وذات يوم دق جرس تليفونى.. وقال المتحدث: مبروك.. تمت ترقيتك إلى منصب رئيس تحرير مجلة آخر ساعة، انتهت المكالمة.. فكان أول ما نطقت به: حد ينزل يشترى لى علبة سجاير حالا، كنت أشعر بما سيحدث لى وقد حدث الكثير والكثير من الصحافة ومن الناس، نفس القسوة، نفس الحقد، نفس النكران، وأرى دنيتى كلها كانت دخانا فى دخان، أمشى خطوات قليلة فألهث، أصعد السلالم سلمة سلمة، صدرى ضيق دائما، ملىء بالشجون والحمد لله.. عذرا إذا أثقلت عليك، لو سمحت.. ممكن تولع لى؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة