محمد منير

توحيد خطبة الجمعة جمع شمل أم ترسيم للمنبر

الأحد، 09 فبراير 2014 05:33 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى يوم الأحد الموافق 26 يناير 2014 أصدر الدكتور محمد مختار، جمعة وزير الأوقاف، قرارا بتوحيد موضوع خطبة الجمعة فى كل مساجد مصر، وصدر القرار فى حضور نخبة من المشايخ والعلماء والفقهاء.

وفى ترتيب بيان إعلان قرار وزير الأوقاف سبق مبررات القرار العبارات المرشدة لآلية التنفيذ على عكس المألوف الذى يربط القرار بمسبباته، حيث تلا نص القرار مباشرة هذه العبارة «الأوقاف هى المسؤولة عن إقامة الجمعة والشعائر فى جميع مساجد مصر، وبما أنها ماضية فى ضم جميع مساجد مصر إليها فإن الأولوية فى الضم ستكون لأى مسجد لا يلتزم بالخطة الدعوية التى تحددها والمنهج الذى تلتزمه من الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة دون أى توظيف سياسى حزبى أو مذهبى أو طائفى للمنبر أو للمسجد».. وهو ما يضفى روح السلطة الإلزامية على قرار يخص العقيدة والمعتقد.

وبعد ذلك ذكر البيان توضيح القرار ومبرراته على النحو التالى «وإذا كان جمهور الفقهاء أجمع على أن الخطبة لا تنعقد إلا فى المسجد الجامع وبإذن من الإمام أو نائبه، فإن القياس والمصلحة يقتضيان الآن جمع الشمل وتوحيد الكلمة والاجتماع على كلمة سواء، ومن هنا قررت وزارة الأوقاف توحيد خطبة الجمعة على مستوى الجمهورية فى جميع مساجد مصر ابتداء من الجمعة القادمة، علماً أن الوزارة ستكون مضطرة إلى سرعة ضم أى مسجد تابع لأى جمعية لا يلتزم بالخطبة الموحدة ومحاسبة أى إمام أو خطيب لا يلتزم بها».

الملاحظ أن عبارة ضم المساجد للأوقاف التى أكد البيان على مضى الوزارة فيها، وردت مرتين وكأنها عقوبة على المساجد التى لا تلتزم بقرار الوزارة، وأوضح البيان أن أولوية تنفيذ هذه العقوبة القدرية سيكون للمساجد التى لا تلتزم بقرار الوزارة.

ما علينا من الشكل السلطوى فى شأن عقائدى.. بالأمس القريب وقف المشير عبدالفتاح السيسى وأكد أن معركتنا المقبلة فى مصر هى تغيير مضمون الخطاب الدينى، وما فهمته أن المقصود هو وقف الخلط العشوائى بين الدين والسياسة ووقف الخطابات السياسية المتدثرة باسم الدين، وكتبت وقتها، مشيرا إلى أنه لتطبيق هذا المعنى، الذى نتفق عليه، يجب أن تتوقف الدولة نفسها عن استخدام الخطاب الدينى فى الترويج لنفسها وإضفاء شرعية سماوية على وجودها، وهو الأسلوب الذى رفضته الدولة ذاتها عندما استخدمته جماعات أخرى معارضة لها، وأنهيت ما كتبته بأننا لن نطور مضمون الخطاب الدينى، إلا إذا توقفنا عن استخدام الدين كمظلة لشرعية الحكم والحاكم.

وخطبة الجمعة يا سادة ليست هى بالضبط الشكل الفلكلورى الذى نعيشه ويحرك مشاعرنا بضعة دقائق كل أسبوع، ولكن خطبة الجمعة لها شروط منها ما هو شرعى وهذا ليس مضمون حديثنا، ومنها ما هو موضوعى يختص بأهدافها وهذا هو مربط الفرس.
اتفق الفقهاء على أن تشتمل خطبة الجمعة على الموعظة المرققة للقلوب، المفيدة للحاضرين، وأن الحمد لله، أو الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، وقراءة آية، كله من كمال الخطبة.

إذاً فهى ليست مجرد خطبة وعظية، وإنما من الضرورى أن تكون مفيدة للحاضرين.
واتفق العلماء على أن علاج المشكلات المعاصرة شرط أساسى لخطبة الجمعة، وأعتقد أن المولى سبحانه وتعالى أكد لنا هذه الحقيقة عندما ربط عمليا بين تكليفه لبعض أنبيائه بنشر رسالته بين أمم وقبائل اتصف كل منها بصفة سلبية والتزم بسلوك سلبى، وهو ما يؤكد الجوهر العملى للدين فنبى الله شعيب كان يحمل دعوة إصلاحية لقوم يخسرون الميزان، وهو ما يعنى مواجهة الفساد والاحتكار وإرشاد الناس إلى حرمة هذه السلوكيات، ونبى الله لوط نزل برسالة تحريم الشذوذ الجنسى، وسيدنا يوسف عليه السلام كان له دور فى حل مشكلة مصر وقت الجفاف، وجمع خاتم المرسلين كل هذا فى رسالته التى بعثه بها الله ليؤكد أن الدين ليس مجرد كلمات جوفاء، وإنما هو إدارة عملية للمجتمع وموضوعه ضمائر البشر وقلوبهم، وهذا بالضبط المطلوب من المنبر، مخاطبة ضمائر البشر وقلوبهم، أما التدخل فى الترويج السياسى لجماعة أو مجموعة أو دولة فهذا هو الانحراف بعينه عن الدور المنوط بالمنبر.

ونظرا للزيادة السكانية واتساع مساحة الدول التى يعيش على أرضها المسلمون، فإن صالح البشر ومشكلاتهم اختلفت من مكان لآخر، ومن بقعة لأخرى، ومن غير المنطقى أن يقف على المنبر من يخطب مثلاً فى أهل منطقة مهددين بمخاطر الأوبئة نتيجة سلوكيات بيئية سيئة أو فى منطقة حصد الثأر نصف شبابها وتكون خطبة الجمعة الملتزم بها من الأوقاف «الأمل والعمل.. أو العلم والعقل»، فخطبة الجمعة فى هذه الظروف يجب أن تكون محلية جداً وشديدة التركيز فى قضايا المجتمع المحيط بالمنبر، ولكن للأسف الدولة الحالية تمارس نفس السلوك الذى طالما رفضناه وهو استخدام المنبر فى الترويج ليس للقيم والأخلاق، وإنما لمجموعات سياسية ولترسيخ وجودها، وبدلاً من أن تقوم بدورها فى فصل المنبر والمسجد عن الترويج الدعائى السياسى، حرمته على الجماعات المناهضة لها، وأجازته لنفسها فى صورة قرارات، مثل قرار وزير الأوقاف الذى يحمل ظاهرا يبدو منطقياً وباطنا معبأ بالأغراض السياسية، وهو توجيه جمهور المصلين من المسلمين إلى اتجاه سياسى محدد لصالح الدولة القائمة، وهو بالطبع استخدام غير عادل فى دولة تدعى الديمقراطية.. وهو ما حدث بالضبط وقت الاستفتاء على الدستور عندما وقف على المنبر من يدعو لقول «نعم»، أو «لا».. بل وصل الأمر إلى التحقيق مع إمام أحد المساجد الكبرى لرفضه الالتزام بتوجيهات الأوقاف للترويج للدستور، كل هذه استخدمات فاسدة للمنبر

منع استخدام المنبر فى السياسة يجب أن يكون على جميع الاتجاهات السياسية بما فيها الدولة، وهو ما لن يتم إلا بترك المساجد تحت ولاية أئمة أتقياء متعلمين مثقفين، ولكى يتوفر هؤلاء يجب أن تركز الدولة فى دورها التنموى والنهضوى وليس فى وضع رقابة على المساجد والمنابر، وفى النهاية إذا أرادت الدول فصل المنبر عن الترويج السياسى، فيجب أن تتوقف عن استخدام الأئمة فى الترويج لها وترفع يدها عن المساجد.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة