حين عقد اليهود مؤتمرهم الأول فى مدينة "بازل" السويسرية، عام ألف وثمانمائة وسبعة وتسعين برئاسة مؤسس الحركة الصهيونية والأب الروحى لدولة الاحتلال تيودور هرتزل، ركزوا على ثلاثة أهداف رئيسية مترابطة، لشرعنة مؤامرة "سرقة أرض الميعاد".
الهدف الأول تمثل فى تشجيع هجرة الفلاحين اليهود للاستيطان فى فلسطين، بما يؤدى إلى تغيير الواقع الديمغرافي، والثانى فى السعى للحصول على دعم القوى العظمى، وفى مقدمتها بريطانيا آنذاك، أما الهدف الثالث وهو الأهم والأخطر، فقد انصب على تنمية النزعة اليهودية لدى آل إسرائيل، وذلك بالتوازى مع احتلال دماغ البشرية، واستبدال الذى هو باطل بالذى هو حق، وذلك انطلاقًا من "خارطة طريق" تتلخص فى ضرورة الإجابة على سؤال: كيف نجعل العالم -الذى يكرهنا- يتعاطف معنا؟
لم تكن كراهية الغرب لليهود، نابعة من خلاف عقائدي، أو ما نحو ذلك، وإنما كانت رد فعل طبيعى، على نظرتهم الاستعلائية، إلى من عداهم من الأمم، فقد كانوا خلف أسوار "الجيتوهات"، التى يضاهيها فى العالم العربى "حاراتهم"، يتشدقون بكرة وعشية بهرطقة الحاخامات حول "الأغيار الأنجاس"، المخلوقين كى يستغلهم شعبه المختار، دونما بأس فى أن "تدوس بنت صهيون فتسحق شعوبًا كثيرين" كما جاء فى سفر أشعياء.
وبالإضافة إلى "الجيتو" باعتباره مأوى وملاذًا، كان ثمة "جيتو" آخر، وهو النفسى الذى يحول دون تواءم اليهود مع دولة المواطنة، التى هى للكل، وتظلل الكل .
على أنه وبعيدًا عن بواعث الكراهية، فقد أخلصت الصهيونية العالمية للمؤامرة، فما كان إلا أن نشطت حركة شراء الصحف الكبرى،وتأسست إمبراطوريات إعلامية من أشهرها إمبراطورية "مردوخ" وتسرب اليهود إلى دور النشر الكبرى، مثلما طابور من النمل يتسرب إلى جدار قديم، إلى حد أن قاموس "أكسفورد" الذى كان يصف اليهود بالمرابين الغشاشين المخادعين، صار يعتبرهم مستضعفين مضطهدين لا وطن لهم.
وجاءت محرقة النازية، فمضت الآلة الإعلامية تقرع "طبلة المظلومية"، فتزعم أن ضحايا الجريمة نحو أربعة ملايين، ومع الأكذوبة وجد باحثون منهم الفيلسوف الفرنسى الكبير "جارودي" نفسه أمام المحكمة، بتهمة معاداة السامية، ذلك أنه أثبت بالقرائن استحالة بلوغ العدد هذا الرقم، لأن اليهود فى القارة العجوز بأسرها، لم يبلغوا أربعة ملايين آنذاك.. لكن أحدًا لم يصغِ، فالأسطورة قد تشكلت، وفى أوروبا، كما يقول "جارودي" نفسه: "يمكنك أن تطرح الأسئلة حول وجود الله عز وجل، وأنت تجلس على مقاهى الشانزلزيه دون أن ينالك سوء، لكن إياك أن تقترب من أسطورة المحرقة".
هنا يمكن بدرجة ما تمعن دأب الإخوان، على ترديد أسطورة الخمسة آلاف شهيد فى "رابعة العدوية"، فضلاً على هرطقات أن "شعب الله الإخوان" اضطهدوا كونهم يقولون ربى الله، فالمنهج واحد، والفكرة الاستعلائية التى تجعل بعض الناس أخيارًا مختارين، وبعضهم الآخر أغيارًا مكروهين، واحدة أيضًا.
وإمعانًا فى التأصيل، يمكن أيضًا النظر فيما دأبت عليه آلة إعلام مبارك ورجاله، على مدى ثلاث سنوات من تشويه للثورة، ودس الأكاذيب فى دماغ الشعب، حتى يكفر بنفسه، لأنه ذات يناير الحق، خربش بأظافره جدران المستحيل، حتى تهاوت كالعصف المأكول، فداست ملايين الأقدام على الوثن.
لكن.. هل نجحت المؤامرة؟
الظاهر أن نجاحًا ما قد تحقق، فعمليات غسيل سمعة المخلوع، تستخدم أكثر المساحيق فعالية، وها هم فلول نظامه يفتحون ما يزعمون أنه مخازن أسرار، فيتفيهقون بأكاذيب حول وطنية عرّابهم ونظافة يديه، وربما ورعه وتقواه، لكن رويدًا فالتاريخ أبدًا لن يهمل ذاك المشهد المفصلى من أيام مصر، والذاكرة الشعبية لن تنسى الفرعون خلف القفص، مستلقيًا على ظهره، والقاضى ينادي: "المتهم محمد حسنى السيد مبارك، وهو يرد: أفندم".
إنه لمخلوع إذن، ولن يكون "الأسبق"، ولو كره الفلول.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة