من الذى أصدر أوامره للشرطة بالانسحاب من الشوارع الساعة الخامسة يوم 28 يناير 2011، لتترك البلاد تحت رحمة الفوضى وأعمال العنف والتخريب وحرق المنشآت والأقسام واقتحام السجون، فى مشهد مأساوى أشبه بقرار الانسحاب فى حرب 67، و«لو» ثبتت القوات فى أماكنها ساعات قليلة حتى نزول الجيش، ما حدثت الكوارث الكبيرة التى تدفع البلاد ثمنها حتى الآن؟
والغريب فى الأمر أنه قبل ذلك بأيام قليلة كان وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى، يستعرض قواته أمام الرئيس الأسبق وكبار رجال الدولة فى احتفالات عيد الشرطة بالتجمع الخامس، موحيا للجميع أن الأوضاع الأمنية تحت السيطرة، وأن الشرطة بتسليحها وتدريبها قادرة على التصدى لأية محاولات للإخلال بالأمن.
وأبدى الحضور إعجابهم بمهارة الكلاب البوليسية، وجسارة قوات مكافحة الإرهاب ورشاقة الخيالة والكاراتيه والقفز داخل أطواق اللهب.. وفجأة انهارت تلك المنظومة الأمنية فى لحظات، ولولا نزول الجيش لوقعت البلاد فو أتون حرب أهلية، كان من الممكن أن تحرق الأخضر واليابس وتضرب أركان الدولة وتهدد وحدة أراضيها.
الشرطة مثل الجيش والقضاء يجب ألا تعمل بالسياسة، وأن تنأى بنفسها عن التورط فى صراعاتها وحساباتها واللاعبين فيها، وأن ينحصر دورها فى تنفيذ القانون ومكافحة الجريمة وتحقيق الأمن والطمأنينة، أما أن يتورط أى وزير داخلية فى الصراعات السياسية، فسوف يلقى نفس مصير العادلى، وأرجح أن يكون هو صاحب قرار الانسحاب، الذى ترتبت عليه نكسة أمنية فادحة ما زالت البلاد تعانى من آثارها حتى الآن.
وإذا أردنا أن نحصن المستقبل من أخطاء الماضى، فيجب الكشف بشفافية وأمانة عن أسرار تلك الأحداث الخطيرة التى تقع منذ 25 يناير حتى الآن، وكيف قفز المتآمرون فوق أكتاف الثورة وغيروا مسارها وقطفوا ثمارها.
كما ظُلم الجيش المصرى فى حرب 67 وهُزم دون أن يدخل الحرب، ظُلمت الشرطة فى أحداث 25 يناير وتعرضت للغدر، ففى الوقت الذى اقتحم فيه البلطجية واللصوص الأقسام لحرقها وسرقة الأسلحة والأجهزة والأثاث، هاجمت تشكيلات مسلحة من الإخوان وحماس السجون لتهريب السجناء، وانطلقت مجموعات أخرى من النشطاء السياسييين إلى مقار أمن الدولة لسرقة الملفات والعبث بخزائن المعلومات والأسرار، وكأن هناك من كان يخطط وينفذ ويقود حرب تدمير الشرطة من غرفة عمليات جهنمية، لم تُكشف أسرارها حتى الآن، ولا أتصور أن كل هذه المنظومة التدميرية قد حدثت بالصدفة أو كتوابع للزلزال.
سوف تستمر الأزمات ما لم تتطهر الجروح بكشف الحقائق، وإعمال الحكمة البليغة التى وردت فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم تقول «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين» لكننا نلدغ مرتين وثلاثة وعشرة، ويالها من أيام صعبة وثقيلة عاشتها البلاد تحت حكم المجلس العسكرى السابق، ثم عام الرمادة الذى حكم فيه المعزول وأهله وعشيرته، أيام مثل جبل الثلج الذى لم تظهر سوى قمته، فخدع سفينه «تايتانيك» فاصطدمت به وغرقت وأغرقت ركابها، وسفينة مصر يجب أن تبحر للمستقبل، وتتحدى الأعاصير والأنواء، ولن يتحقق ذلك إلا إذا سطعت شمس الحقيقة وانقشع الظلام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة