سهى زكى روائية وصحفية تملك رؤى تسميها هى "رؤى الساحرة الشريرة" لكنها ليست شريرة حقا، إنها رؤى معبرة عن العالم المحيط بها والعالم الذى تتمناه، وهى الآن تقرأ كتاب "مصر ولع فرنسى" لـ"روبير سولييه".
وتؤكد صاحبة "جروح الأصابع الطويلة" عندما تبدأ فى قراءة روبير سوليه "مصر ولع فرنسى" لا تراودك أفكار أو معانى لتعبر عن هذا الولع إلا ببيت من قصيدة "مصر تتحدث عن نفسها" والتى كتبها الشاعر حافظ إبراهيم وغنتها أم كلثوم بألحان العظيم رياض السنباطى والبيت هو (كم بغت دولة على وجارت ثم زالت وتلك عقب التعدى).
وأكدت سهى زكى، أول مرة قرأت هذا الكتاب منذ 5سنوات، لم أنسَ مقاطع بعينها منه، لذلك قررت أن أعيد قراءته بصوت عال، ربما يعرف البعض ممن اعتقدوا أنهم سيحصلون عليها لقمة سائغة بسهولة كيف أن مصر وشعبها ليس من السهل الحصول عليهم وترويضهم فى يد مستعمر، هم ربما يؤلهون ملكا منهم أو يقدسونه أو يعبدونه حتى، ولكنهم لا يقبلون فردا من خارج الوطن يتحكم بهم، حتى وإن تحملوا لفترة وصبروا طويلا فهم بعد طول صبر ينفجرون بغضبهم ويطردون عدوهم شر طردة، الجميل أن كل المستمعرين تبقى منهم عشاق لمصر عاشوا فيها ومازالوا، ويزيدون حتى إن منهم من تحولوا بالفعل لمصريين.
وتتابع صاحبة "فاطمة" الكاتب روبير سوليه يرصد بعض ما جاء على لسان كتاب فرنسيون سبقوه فى الكتابة عن مصر ولكن بشكل سلبى، وهو يدافع فى الكتاب عن مصر، كما أن من الأشياء التى تؤكد أن مصر جذابة لدرجة غير مفهومة، أن مستعمرها دائما يقع فى غرامها ويتحول لأجل الدفاع عنها وليس مقاتلة شعبها، ستجد له أدلة فى كتاب ولع فرنسى أيضا والذى يحكى عن أنه كيف كان الفرنسيون يتعاملون مع مصر بحكم أنهم مواطنون لدرجة أنهم كانوا يتهكمون على المستعمر الإنجليزى وكأنه مستعمرهم هم، فيقول روبير سوليه "كانت صحيفة" بوسفور اجبسيان" التى أنشئت عام 1880 من أكثر الصحف التى عانت منها السلطات الإنجليزية، كان توزيع هذه الصحيفة اليومية يصل إلى 500 نسخة وهو توزيع محترم بمقاييس ذلك الزمان، كان يدير هذه الجريدة رجل رهيب من مارسيليا والذى لم يكن قلمه موهوبا ومجادلا فحسب بل وكان هو ذاته من أكثر أعضاء المجتمع القاهرة نفوذا، إنه أوكتاف بوريللى الذى وصل الى مصر عام 1879 وكان يعمل محاميا ومستشارا بوزارة المالية ورجل أعمال وعضوا بجمعيات علمية عديدة، ومؤسسا مشاركا فى لجنة تعضيد التعليم الفلسفى العلمانى، كان يحمل لقب البكوية ووسام جوقة الشرف الفرنسى ونصف دستة من الأوسمة الأجنبية، إنه محب لوطنه الفرنسى لا تتغاضى مقالاته الافتتاحية عن شىء يتعلق بالإنجليز ويقوم يوما بعد يوم بتحليل أعمالهم بدقة كى لا يدينها، لم يستطع القنصل البريطانى كليفورد لوريد أٍن يحتمل تجريح هذه الجريدة اليومية أكثر من ذلك فهى تتهكم عليه حتى فى مواقفه المعادية للرق فاستصدر قرارا وزاريا فى عام 1884 بمنع صدورها، وسرعان ما هاجمت نوبار باشا رئيس الوزراء المعتبر بأنه رجل الإنجليز مما أدى إلى حظر صدورها مرة أخرى، تدخلت قنصلية فرنسا فى الأمر وتبادلت برقيات دبلوماسية عديدة مع باريس، واتخذ النزاع بشأن جريدة البوسفور سمة رسمية مع الدولة وفى النهاية اضطر نوبار باشا إلى تقديم اعتذاره إلى الجريدة التى عادت إلى الظهور.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة