المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست وصية على القرار المصرى ولا الإرادة المصرية، كما أن إسرائيل لم ولن تكون رقيبا على تحركاتنا وقراراتنا، لذلك ليس من المنطقى أن يصدر البعض للمصريين كل يوم فزاعة القلق الأمريكى أو المخاوف الإسرائيلية من أى قرار أو توجه تتخذه الدولة المصرية تحديدا بعد ثورة 30 يونيو 2013، وكأننا يجب ألا نتحرك إلا بعد استئذان واشنطن وتل أبيب باعتبارهم أسيادنا وتاج رأسنا.
قد يكون هدف البعض من الحديث عن الهواجس الأمريكية والإسرائيلية نبيلا، للتأكيد على أن كل ما يصدر عن القاهرة محل متابعة وتقييم من الخارج للتدليل على قوتنا، لكن لا ينبغى أن يتحول الهدف النبيل إلى فزاعة نقلق بها أنفسنا، أو نثير المخاوف لدى عامة المصريين.
أقول ذلك بمناسبة ما كتب وقيل على مدار الأيام الماضية حول ردود الخارج على توجه القاهرة نحو إبرام صفقات سلاح مع روسيا، أو تنويع وجهات مصر الخارجية لتشمل دولا كانت خارج حساباتنا السياسية فى الماضى أو أهملناها بسبب اعتمادا على الوجهة الغربية مثل روسيا والصين، فبدلا من رصد إيجابيات وسلبيات توجهات الدولة الجديدة ذهب كثيرون للحديث عن مخاوف وقلق دولا بعينها من هذه التحركات التى يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو سلوك للأسف لا يساعد هذه التوجهات وإنما يقلل منها ومن قيمتها، لأننا بتركيزنا على ما يقوله الخارج عنا واعتبار ما يقولونه مقدسا نعطى رسالة للخارج بأننا لا نهتم بما نحققه قدر اهتمامنا بما يقولونه عنا.. هذه رسالة سلبية للأسف لا تساعدنا مطلقا.
الغريب أن من يتحدثون عن القلق الغربى على سبيل المثال من نية القاهرة شراء السلاح الروسى نسوا أو تناسوا أن مصر لا تعتمد فى السلاح على مصدر واحد، فالمساعدات الأمريكية العسكرية لم تفرض شروطا على القاهرة بعدم الاستيراد سوى منها، ولن تسمح القاهرة أبدا بوجود مثل هذا الشرط الذى إن وجد يعنى أنه لا وجود للدولة المصرية المستقلة، كما أن أسواق السلاح العالمية متوافرة أمام الجميع، ومصر تستورد السلاح من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا ودول أخرى، والكل يعلم ذلك لأنه لا شىء خفيا أو سراً، لذلك لا شىء يدعو للقلق.
الغريب أيضاً أن البعض تحدث عن سيناريوهات للقلق الأمريكى للتدليل على ما يقولونه، فواشنطن «الغاضبة» من مصر لتفكيرها فى استيراد السلاح من روسيا قررت المماطلة فى تسليم طائرات الأباتشى العشرة لمصر، ونسى هؤلاء أن هذه الطائرات وصلت مصر بالفعل، وأن سيناريوهات القلق لا وجود لها إلا فى مخيلة من يريدون إفساد كل شىء، أو التقليل من قيمة كل خطوة يخطوها الرئيس.
المؤكد أنه لا يوجد شىء يدعو للقلق سوى عدم ثقتنا بأنفسنا أو محاولة البعض التقليل من قيمتنا وقدرنا، أو محاولة إفشال ما يقوم به الرئيس السيسى، لأن الرهان لازال قائما لإسقاط الدولة، لكن هذه المرة ليس بثورة يعتليها الإخوان وإنما ببث أخبار وتقارير كاذبة ومليئة بالأمراض الدنيئة.
السؤال الآن لمصلحة من نريد ترسيخ هذا الاعتقاد بأننا يجب أن نستأذن قبل أى حركة خارجية، لمصلحة من إزكاء الفتنة بين مصر ودول أجنبية، وهل يأبى أحد وسطنا أن يكون قرارنا مستقلا وإرادتنا حرة؟.
وبمناسبة تحركاتنا الخارجية فلا ينبغى أن يمر هذا الأسبوع دون توجيه التحية لصانع القرار السياسى المصرى الذى اختار هذا التوقيت المهم لإتمام الزيارة الرئاسية المهمة للصين، فى وقت شديد الحساسية سواء لوضعها الاقتصادى أو للتعقيدات السياسية الإقليمية والدولية التى تضطلع الصين بدور فاعل فى كثير منها، لذلك جاءت زيارة السيسى لبكين ولقاءاته المهمة سواء مع نظيره الصينى أو رجال الأعمال والسياسة الصينيين لتثبت أن الرجل يفكر بشكل أكثر استراتيجى، ويقدر احتياجات الدولة المصرية فى الوقت الحالى ومستقبلا، فالسيسى يثبت كل يوم أنه لا يخطو خطوة إلا بعد تفكير عميق وحسابات دقيقة حول نتائجها سواء الإيجابية أو السلبية، لذلك تأتى غالبية أن لم تكن كل تحركاته بنتائج مبهرة.
حقق السيسى نجاحا فى زيارته للصين ستظهر بشائره خلال الأيام المقبلة خاصة أن الصينيين لديه الرغبة فى تعميق التعاون الاقتصادى والاستراتيجى مع مصر، وكانوا يعولون كثيراً على هذه الزيارة لدفع العلاقات قدما، فالصينيون مثل السيسى تماماً يقدرون قيمة أوقت والعمل والجهد لذلك فإن النجاح سيكون حليفا لهم بشرط أن يبتعد أصحاب المصالح الخاصة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة