يوسف الحسينى

قول والمصحف!!

الثلاثاء، 02 ديسمبر 2014 06:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نعود بالزمن إلى 1400 عام حتى نفهم مشهد الجمعة الماضية
دأب الناس فى بلدنا على استخدام الأقسام المختلفة لخلق أثر فى نفس المُقسَم له يفيد تأكيد معلومة أو تثبيت حالة وفاء بالعهد وتفنن أبناء آدم وبناته فى اختلاق أقسام وجمل عهود الوفاء، بدءا من القسم برأس الوالد الميت وحتى شرف الأم التى لا ناقة لها ولا جمل، وهكذا صار حال العباد حتى نزلت عليهم الرسالة المحمدية بشبه جزيرة العرب، فآمن من آمن بها كل بما تضمر سريرته التى لا يعلمها إلا الخالق، فمنهم من صاحب الرسول الكريم «صلى الله عليه وسلم» وهو لا يريد متاع الدنيا غير راغب إلا فى جنة الله الموعودة  ومنهم من دخل بخير وألهته السياسة وتلاعب به، وهم الخلافة والإمارة، ومنهم من خاض غمار التجربة متحوطا قلقا ومنتظرا لجائزته الكبرى، فى حين مثل عمرو بن العاصمة ومعاوية ابن أبى سفيان رحمة الله عليهم.. وعند ذكر معاوية وعمرو يذكر دائماً إصرار العرب على قسمهم الأشهر «وكتاب الله» «والمصحف» «والقرآن المجيد»، وهو القسم الذى نهى عنه رب العزة، بل إن الخالق قد نهى عن القسم إلا فى أصعب وأضيق الأحوال، بل أمر الرحمن ذو الجلال والإكرام  أنه عند ضرورة القسم فليكن باسمه عز وجل وهو ما غاب عن عقول العرب الذين أخذتهم الدنيا مثلما أخذت معاوية وعمرو اللذين يظن الكاتب أنهما أول من قاما بالزج بالمصحف فى مناقشات السياسة والحكم ودنس الدنيا، بل إن خطط معاوية وعمرو فى خلق حالة المظلومية وخلط الدين بالسياسة واعتماد المؤامرة المغلفة بالدين مذهب وديدن، وما قامت جماعة الإخوان بفعله منذ نهاية سبعينيات القرن الماضى وحتى اللحظة فرفع معاوية لقمص ابن عمه عثمان هو نفس ما تفعله الجماعة بنشر فيديوهات وصور مفبركة.
ولكى تفهم المشهد الحالى وكيف تسير الجماعة وموالاتها على نفس النهج فعليك أن تعود بالزمن لأكثر من 1400 عام مضت، ففى  عام 37 هجريا حاول الإمام على رضى الله عنه وأرضاه أن يقيم الحجّة على معاوية والى الشام وأصحابه بأسلوب الحوار والموعظة الحسنة، حقناً لدماء المسلمين ووأد الفتنة، ولكن تلك المحاولات لم تجد آذاناً صاغية عند معاوية الطامع فى الحكم لذا بعد انتصاره على الناكثين فى موقعة الجمل بالبصرة، بدأ بتعزيز جيشه للتوجّه إلى الشام لتصفية الفئة الباغية التى يرأسها معاوية بن أبى سفيان، فبدأت المعركة فى أرض بين الشام والعراق اسمها صفّين، وكان ذلك فى الأوّل من صفر 37هـ، وكان الإمام على بخلقه الرفيع المعروف عنه قد سعى لإصلاح الموقف بالوسائل السلمية، فبعث أوّلاً بوفد ثلاثى إلى معاوية يذكّره الله، ويدعوه إلى التقوى والورع، فكان جواب معاوية: ليس عندى إلاّ السيف،  فدعاه الإمام فيما بعد  إلى المبارزة، حقناً لدماء الآخرين، إلا أن معاوية الذى لا يريد إلا ملكا عضوضا ولكن معاوية رفض المواجهة خشية على نفسه من بطشة على بن أبى طالب آثر الحرب على السلام وفضل إراقة دم المسلمين على إراقة دمه هو!
ولما جاءت ليلة الهرير وقد كان البرد فيها قارصاً إلى الحدّ الذى كان يسمع للجنود هرير، وبالإضافة إلى البرد فى هذه الليلة فقد اشتدّ القتال بين الجيشين، وقد كان مالك الأشتر قائدا لجند على و يضرب ضرباته بكلّ قوّة حتّى اخترق صفوف أهل الشام، وأجرى حولهم عمليات الالتفاف والتطويق، فانكشفت غالب صفوفهم، وكادوا ينهزمون، حتّى وصل الأشتر إلى قرب موقع معاوية وفسطاطه فلمّا رأى معاوية بن أبى سفيان انتصارات جيش الإمام على بن أبى طالب، دعا عمرو بن العاص والى مصر إلى خطّة للوقوف أمام هذه الانتصارات، فقام عمرو بن العاص بخدعة، حيث دعا جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، ومعنى ذلك أنّ القرآن حكم بيننا، وأراد من ذلك أن يخدع أصحاب الإمام على رضى الله عنه للكف عن القتال ويدعون على بن أبى طالب إلى حكم القرآن.. وفعلا جاء زهاء عشرين ألف مقاتل من جيش على حاملين سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودّت جباههم من السجود، يتقدّمهم عصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج فيما بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: يا على، أجب القوم إلى كتاب الله إذا دُعيت، وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفّان، فو الله لنفعلنّها إن لم تجبهم. فرد على رضى الله عنه: «عباد الله، إنّى أحقّ من أجاب إلى كتاب الله، ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبى معيط ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وإنّى أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالاً وصحبتهم رجالاً، فكانوا شرّ الأطفال وشرّ الرجال، إنّها كلمة حقّ يُراد بها باطل، إنّهم والله ما رفعوها، إنّهم يعرفونها ولا يعملون بها، ولكنّها الخديعة والوهن والمكيدة، أعيرونى سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة، فقد بلغ الحقّ مقطعه، ولم يبق إلاّ أن يقطع دابر الذين ظلموا». إلا أنه لمس منهم ململة فقال لهم: «ويحكم أنا أوّل مَن دعا إلى كتاب الله، وأوّل مَن أجاب إليه».
قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتيك، وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على معسكر معاوية ليدخله، فأصرّوا على رأيهم، وكان أمير المؤمنين رضى الله عنه  فى هذا الموقف أمام خيارين لا ثالث لهما:
1 - المضى بالقتال، ومعنى ذلك أنّه سيقاتل نصف جيشه وجيش معاوية.
2 - القبول بالتحكيم وهو أقلّ الشرّين خطراً. وهكذا كان القبول بالتحكيم نتيجة حتمية لظروف قاهرة لا خيارا لأمير المؤمنين.وقام أحد رجال معاوية مناديا بين الجيشين: الله الله فى دمائنا ودمائكم المتبقية، بيننا وبينكم كتاب الله، فقام المتآمرون مع معاوية فى جيش الإمام بزعامة الأشعث بن قيس مع الذين انطوت عليهم الخدعة، لا سيما ذوى القلوب الضعيفة الذين ملوا القتال بمطالبة على بضرورة وقف الحرب قائلين: «قد أعطاك معاوية الحق، ودعاك إلى كتاب الله، فاقبل منه»، وبهذا انشق جيش الإمام إلى شقين، وفشلت كل محاولات الإمام بإقناعهم بزيف لعبة المصاحف، مما اضطره إلى قبول التحكيم الذى انتهى إلى تثبيت معاوية وخلع سيدنا على، فاختلط الأمر على الناس، وعمت الفوضى، وتشاتم الحكمان بأخس الكلمات، ثم انصرف عمرو ومن معه إلى معاوية بالشام، ولحق أبوموسى بمكة، ورجع من كان بصحبته إلى الكوفة. من هنا يظهر الفارق بين على كخليفة راشد وبين معاوية كملك من ملوك الدنيا وسلاطينها وهو نفس الفارق بين من قاموا بثورتهم فى يناير ويونيو لا يريدون سوى صالح البلاد وحقن الدماء وإبعاد كلمة الحق تبارك وتعالى عن مهابل الدنيا وبين من هددوا الآمنين وأهرقوا الدماء وزجوا بكلمة الله وكتاب مقدس لمغانم الدنيا وحكمها الزائل.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة