استأذن الرجل الملثم فى الدخول، وكان أبو ذر الغفارى يصلى، فلما سلم كشف الرجل عن وجهه وقال: يا أبا ذر: بعث إليك أمير الشام بثلاثمائة دينار استعن بها على قضاء حاجتك، فصمت أبو ذر قليلا كى يعرف أين يوجه كلماته وقال مخاطبًا الرجل:
أما وجد أمير الشام عبداً لله أهون عليه منى
أن تعرف أين تقف وفى أى جانب تنتمى فهذا هو المهم فى حياتك، وعندما لا تسقط صريع الجاه والسلطان فقد امتلكت قلبك، وعندما تملك قلبك يكتمل إيمانك.. وعندما يكتمل إيمانك يمكنك أن تصرخ بأعلى صوتك:
عجبت لمن لا يجد القوت فى بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه
اتسعت الدولة الإسلامية وتحولت إلى إمبراطورية ممتدة الأطراف يحكمها رجل تخجل منه الملائكة، لكن البشر لا يخجلون، خاصة لو كانوا ذا قربى يرون أن الدولة قد دانت لهم وأتت أكلها، وحان قطف ثمرتها، وأمير المؤمنين ابن عمهم رجل يملأ القرآن قلبه ويعمره لكن السياسة لم تفسد روحه ولم تلوثه فلم يدرك ما يضمره الأقرباء، وهم على قدم إسلامهم حديثو عهد بالدين وأقرب للعصبية ولم يستقر الإسلام فى قلوبهم بعد، يتربصون كى يحولوها إلى ملك عضود، حتى لو كان الضحية رجل فى ورع وتقوى وإيمان الخليفة الطيب "عثمان بن عفان".
وهناك رجل أدرك أن الأمور تفلت من نصابها، وأن الأغنياء سوف يزدادون غنى والفقراء سوف يزدادون فقرًا، والدولة مترامية الأطراف ستنسى هؤلاء البسطاء الذين لن يكون لهم ظل، لأن الشمس لن تمر بدورهم أبدا، فوهب نفسه للدفاع عنهم وخرج على الدولة، وهو يعرف أن كتبة التاريخ لن ينصفوه وهو يدرك أن الجالس تحت لواء الحكم رجل صالح، لكن السوس يراقب عصاه من بعيد أو من قريب.. هذا الرجل هو محامى الفقراء أبو ذر الغفارى.
"أَبُو ذَرٍّ يَمْشِى فِى الْأَرْضِ بِزُهْدِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام"
وكما يكون المدافعون عن الحق غالبا، كان أبو ذر رجلا نحيفا طويلا أسمر اللون يقترب لونه من تراب الأرض، كما أنه كان فى جاهليته "قاطع طريق" وهؤلاء يكون إيمانهم أقوى وأشد ولا يخشون فى الحق لومة لائم، يلقون كلمة الحق ويتوكلون على الله، محامى الفقراء والمدافع عن المظلومين فى هذه الأرض، لم يكن خروجه على سيدنا عثمان بن عفان رغبة فى الخروج، ولم يكن الأمر شخصيًا، لكنه كان حبًا فى الله وحتى لا يهان عبيده.
أيقونة أبو ذر الغفارى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة