د. عمار على حسن

خرائط الدم والنار...(11)

الخميس، 18 ديسمبر 2014 12:01 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما أن تأكدت سيطرة حركة «طالبان» على أغلب ربوع الأراضى الأفغانية حتى لاحت الفرصة لـ«الأفغان العرب» ليركنوا إلى مكان آمن تظلهم فيه سلطة مركزية، يروق لهم ما تمارسه من قوانين، وما تفرضه من تشريعات، باعتباره فى نظرهم يمثل «صحيح الإسلام». ولأسباب فقهية تتعلق بإجارة المستجير، وأخرى مالية ترتبط أساسًا بما توقعت طالبان أن يقدمه لها «بن لادن» من مساعدات، وأخرى سياسية تتعلق بإمكانية الاستفادة من الخبرة القتالية للأفغان العرب فى مواجهة قوات «التحالف الشمالى» التى كان الحال قد انتهى بها إلى التمركز فى خمسة فى المائة فقط من الأراضى الأفغانية، وكانت تتلقى مساعدات من روسيا والهند وإيران لمواجهة «طالبان» التى لم يكن يعترف بها سوى باكستان والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

وبعودة كثيرين من الأفغان العرب إلى الأراضى الأفغانية باتت الفرصة سانحة لـ«تنظيم الجهاد»، وبعض كوادر «الجماعة الإسلامية» ليمارسوا عملياتهم ضد أهداف داخل مصر، وهما فى منعة من أن يصل أحد إلى قادتهم. لكن بالتوازى مع ذلك كانت هناك أفكار تختمر شيئًا فشيئًا، بحيث لا تصبح مصر هى الهدف الوحيد أمام «تنظيم الجهاد» على وجه الخصوص، بل تتسع دائرة الأعداء لتشمل «عدوًا تقليديًا» لم ينسه تنظيم الجهاد أبدًا منذ لحظة تكوينه، لكنه كان يؤجل المواجهة حتى يفرغ من «العدو القريب»، وهو النظام الحاكم فى مصر، ويتمثل هذا العدو فى الولايات المتحدة الأمريكية. وتستعيد الأذهان هنا ما تضمنته وثيقة «أمريكا ومصر والحركة الإسلامية» التى أصدرها فرع تنظيم الجهاد بقيادة سالم رحال أوائل عقد الثمانينيات من القرن الماضى، حيث اعتبرت أن «منطق التعامل الصحيح مع أمريكا والرادع لها، والذى يحقق الدفاع عن آمالنا الإسلامية فى مواجهة بطشها وعربدتها فى المنطقة الإسلامية هو تقديم المزيد من الدماء، والمزيد من الشهداء، ورفع شعار الخلافة أو الشهادة، والعمل على إفشال كل ما هو أمريكى».

وقد تضمن كتاب «الفريضة الغائبة» لمحمد عبد السلام فرج الذى يعد «النص» الأساسى الذى دار حوله فكر «تنظيم الجهاد»، وكتاب «ميثاق العمل الإسلامى» الذى يعتبر «دستور» الجماعة الإسلامية، وكذلك وثيقة «حتمية المواجهة» للجماعة نفسها، ما يفيد بأن «العدو الخارجى» للحركة الراديكالية الإسلامية المصرية يتمثل فى الغرب عمومًا، خصوصًا المؤسسات الدينية، والولايات المتحدة التى هى «الطاغوت الأكبر» فى نظر هذه الحركة، وإسرائيل، إلى جانب حكومات الدول الإسلامية ما عدا التى تطبق «الشريعة الإسلامية».

وفصلت وثيقة «معالم العمل الثورى» لتنظيم الجهاد هذه النقطة، حين ذكرت أن «ما يسمى بالقوتين العظميين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، إن هى إلا قوى جاهلية تسعى إلى تكريس الجاهلية، واستنزاف الشعوب، وأن هيئة الأمم المتحدة أفرزتها الجاهلية الحديثة، وما هى إلا جسد متهالك من حيث الدور، ولا تستطيع إلا خدمة مصالح القوى الجاهلية المتحكمة فيها، وأن شعوب العالم المحتلة إن هى إلا شعوب مقهورة دون حقها، وما زالت قوى الاحتلال تمارس دور القرصنة عليها فى ظل غياب الرادع الإسلامى العادل، وأن لليهود أطماعًا عالمية يسعون إلى تحقيقها من خلال منظمات أخطبوطية لها تواجد دولى نشط، ولها حجم كبير من التأثير على مراكز صنع القرار فى العالم، وأن الرأسمالية العالمية هى صورة جديدة من صور الاحتلال المقنع الذى يسعى إلى السيطرة على مقاليد الأمور فى العالم، كما يسعى إلى تحقيق أطماع الدول الرأسمالية ورغباتها فى الدول الخاضعة لها، سواء بتحطيم عقائد شعوبها، أو النظم الحاكمة فيها».

ومن قبل وضع سيد قطب فى كتابه «المستقبل لهذا الدين» رؤيته حول العداء الذى يكنه الغرب عمومًا للإسلام، والجهود التى يبذلها فى سبيل عرقلة «الصحوة الإسلامية»، وكيف أن هذه الصحوة ستنتصر فى النهاية على أعدائها، وتعيد أمجاد الحضارة الإسلامية.

ولم يكتف تنظيم الجهاد بتوصيف حالة الغرب، وانتقاد علاقة «التبعية» و«الموالاة له» بل تضمنت وثائقه اقتراحات لمواجهة الغرب عمومًا، منها التصدى لجميع أشكال هيمنته، وشن حرب فكرية على ما يطرحه من أفكار لوأدها فى مهدها، بما ينقل المعركة إلى أرض العدو، ويحوله إلى موقع الدفاع، والتخلص من الارتباط بالغرب أو الشرق، وتحرير القرار السياسى بتحقيق الاكتفاء الذاتى، وقيام سوق إسلامية مشتركة، وتوعية الأمة نحو المقاطعة لجميع البضائع والخدمات الواردة من الغرب وإسرائيل، والتصدى لمحاولات الغرب تقويض المشروعات الإسلامية بالتواطؤ من الأنظمة الحاكمة، واستعادة رؤوس الأموال الإسلامية من البنوك الأجنبية، وكسر الطوق الخلفى الذى يفرضه الغرب الأوروبى بالتفافه حول الجسد الإسلامى فى دول القارة الأفريقية.

وعود على بدء، فإن أيمن الظواهرى إن كان قد انحاز- تكتيكًا- إلى أولوية قتال «العدو القريب»، فإن هذا لا يعنى نسيانه «العدو البعيد»، أى أن الهوة لم تكن متسعة أبدًا بينه وبين «بن لادن». وعموما فقد عبر الظواهرى عن تصوره هذا فى مقال له بنشرة «المجاهدون» فى إبريل عام 1995، أعطاه عنوانًا لافتًا، هو «الطريق إلى القدس يمر بالقاهرة»، ورأى فيه أن «فتح القاهرة والجزائر أولًا قبل قتال إسرائيل»، منتقدًا مبادرة وقف العنف التى أعلنتها «الجماعة الإسلامية». لكن لم تلبث أن بدأت بوادر التحول عن هذا الموقف تظهر فى مقالات أخرى للظواهرى، ففى أكتوبر عام 1997 كتب مقالًا بعنوان «بيان أمريكا وقضية جهاد اليهود فى القاهرة»، تعرض فيه بالنقد إلى التقرير الذى أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية حول «أنشطة الحركة الإسلامية»، والذى واكب الحكم الذى أصدرته المحكمة العسكرية المصرية فى قضية «خان الخليلى»، والتى استهدف فيها «تنظيم الجهاد» فوجًا سياحيًا إسرائيليًا. ثم كتب الظواهرى مقالًا تاليًا بعنوان «أمريكا ووهم القوة» فى نوفمبر 1997، تحدث فيه عن إمكان إنزال ضربات بالأمريكيين رغم قوتهم، ثم أفصح عن توجهه هذا بجلاء فى مقال ثالث عنونه بـ«يا أمة الإسلام صفًا واحدًا فى سبيل الله لجهاد أمريكا»، تضمن تحريضًا واضحًا على ضرب المصالح الأمريكية.ومن ثم فإن الظواهرى انتهى به الحال إلى الاقتناع بأن الوقت قد حان لمنازلة «العدو البعيد»، خاصة أن هذه المنازلة لم تغب عن تفكير التنظيم الذى ترعرع الظواهرى بين كوادره منذ أن كان يافعًا.

فحتى قبل أن يدبج هذه المقالات كان الظواهرى قد بدأ يطل برأسه على مستوى أبعد من «المحلية»، ويزاوج بين استهداف الداخل المصرى، والقيام بعمليات خارجية على أكبر مستوى دولى ممكن. فقد تردد أن «تنظيم الجهاد» كان يعد فى بداية عقد التسعينيات خطة لاغتيال السكرتير السابق للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالى، لأنه فى نظر قادة التنظيم اتخذ مواقف أضرت بمصلحة المسلمين. ويعبر الظواهرى نفسه عن هذا الأمر بقوله: «المسلمون فى البوسنة وأفغانستان والعراق والصومال وفلسطين ومصر يترقبون الخلاص من غالى»، علاوة على ذلك فإن استهداف تنظيم الجهاد السياح الإسرائيليين فى مصر كان مرتبطًا بالكيد لإسرائيل، والتعبير عن رفض تطبيع العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، أكثر من ارتباطه بضرب السياحة المصرية..
ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة